كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 5)

قال: اضمن عني. وأما ما ذكره لا يصح لأن قوله: "انقده" يقتضي أن يكون ذلك عنه لأنه لا يأمر إلا بذلك في الظاهر وليس فيه ما يدل على الأمر بالهبة.
والثاني: أن يكون الضمان بغير أمره والأداء بغير أمره، فلا يرجع عليه وبه قال كافة العلماء، وقال مالك وأحمد في إحدى الروايتين: يرجع عليه وهذا غلط لخبر عليّ وأبي قتادة رضي الله عنهما ووجه الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي على ميت عليه دين دعا لا وفاء له فلو ثبت لهما الرجوع بما ضمنا لما صلى عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لبقاء الدين عليهما للضامنين. ولأن تبرع بذلك فلا يرجع عليه كما لو أطعم عبده. ولأنه دين غيره بغير أمره فلا يرجع عليه كما لو كان القاضي عدوًا للمقضي عنه ووافقونا أنه لا يرجع ها هنا. والثالث أن يكون الضمان بغير أمره والأداء بأمره فالمذهب أنه لا يرجع عليه لأن الدين قد وجب عليه بغير أمره والأداء من مقتضى الوجوب السابق دون أمره، وهذا ظاهر كلام الشافعي لأنه قال: فإن تطوع بالضمان لم يرجع ولم يفرق بين أن يكون الأداء بأمره أو بغير أمره. ومن أصحابنا من قال: يرجع عليه لأن الرجوع إنما يثبت بالأداء دون الضمان وهذا الأداء كان بأمره فيرجع عليه ومن أصحابنا من قال: يُنظر فإن قال: أدِّ ما ضمنته لترجع به عليّ له الرجوع إذا أدى ولو قال: أدِّ ما ضمنته عني فيه وجهان أحدهما: يرجع لأنه أمره بالغرم عنه. والثاني: لا يرجع [22/ أ] لأنه يحتمل أنه أراد به التطوع. والرابع: أن يكون الضمان بأمره والأداء بغير أمره فظاهر المذهب أنه يرجع به عليه لأنه قال: وإن ضمن بأمره وغرم رجع به عليه ولم يشترط أن تكون الغرامة بإذنه وبه قال ابن أبي هريرة وصاحب "الإفصاح" وهذا لأن الأمر بالضمان يقتضي الأداء وقد لزمه الحق بإذنه فإذا أدى رجع كما لو أعاره عبدًا فرهنه بأمره ثم بيع العبد في دينه رجع به عليه ولهذا يملك مطالبته بتخليصه، وقال القاضي الطبري: نص الشافعي على هذا في كتاب "النكاح والطلاق" من رواية الربيع وفي "الإملاء" على مسائل مالك من رواية حرملة.
ومن أصحابنا من قال: فيه ثلاثة أوجه: أحدهما: هذا، والثاني: لا يرجع عليه لأنه دفع بغير إذنه فصار كما لو ضمن بغير إذنه، والثالث: قاله أبو إسحاق: إن كان مضطرًا إلى أدائه بأن كان المضمون عنه غائبًا أو كان حاضرًا ولم يحضره المال فطالب الضامن فأداه رجع عليه، وإن كان المضمون عنه حاضرًا مليًا فلم يطالبه بتخليصه من الضمان وأداه إلى المضمون عنه لم يرجع.
ومن أصحابنا من قال: إن أداه بعد المطالبة والمحاكمة له الرجوع قولًا واحدًا، وإن أداه قبل المطالبة فهل يرجع؟ وجهان، وهكذا الخلاف إذا وكل رجلًا أن يشتري له عبدًا بألف فاشتراه فطالب الوكيل بالثمن فإن أدى من ماله فهل يرجع إلى الموكل؟ فعلى قول أبي إسحاق إن كان مضطرًا إلى أدائه بأن كان الموكل غائبًا أو حاضرًا إلا أنه لم يحضره المال فطالبه البائع بالأداء فأداه كان له الرجوع عليه وإن لم يكن مضطرًا فلا

الصفحة 469