كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 5)

دعواه، لأنه على ما ذكرنا لم يقل: إن المدعي مبطل في دعواه حتى لو قال ذلك لا يرجع. وقيل: لعله وكل بالخصومة وكيلًا فلم يبطل حق رجوعه بإنكار وكيله فلهذا قال: ورجع على الغائب. وقيل: وهو الصحيح جحوده لمدافعة خصومة الخصم لا يمنعه من الرجوع إذا توجه الحكم عليه لأنه لو اشترى من رجل عبدًا وقبضه فجاء مستحق وادعى أنه مغصوب [30/ ب] فأنكر المشتري وقال: بل كان ملكًا للبائع حين باعه مني وهو اليوم ملكي، ثم أقام المستحق بينة على الغاصب واسترجع العبد منه كان له أن يرجع على البائع بثمن العبد ولا يمنعه نسبة ملك العبد إلى البائع في مدافعة الخصومة عن الرجوع لأنه يقول: كانت تلك المقالة مني صادرة على الظاهر لدفع الخصومة، فإذا توجه القضاء عليّ ثبت لي حق الرجوع عليك كذلك ها هنا، وقيل: تأويله أن الحاضر صدق المدعي في ذلك غير أن المدعي قال: وأنا أقيم البينة بما ادعى عليك ليثبت الحق على الغائب فسمع الحاكم ذلك وقضى بها ها هنا له الرجوع لأنه ليس فيه تكذيب البينة. وقيل: تأويله أنه لم يجب بقوله ما اشتريت وما ضمنت ولكن قال: لا يلزمني دفع هذا المال من الوجه الذي تذكره فيحتمل أنه قضى ذلك المال مرةً.
وقيل: تأويله أن الحاضر أنكر الضمان عن الغائب على ظاهر ما قال المزني، فلما قبض منه الألف قال: قد ظلمني هذا المدعي وأخذ مني ألفًا لا يستحقه وأعلم أن لك قبل الغائب ألفًا أقدر على أخذه بالبينة التي أقمت فقد وجد مالًا لمن عليه مال لا يقدر على أخذه فكان له أخذه بحقه، فعلى هذا التأويل هذا الحاضر لا يرجع على الغائب بما ضمن عنه وإنما يرجع بمال الغاصب عنده. وهذا التأويل لا يستقيم لأنه إذا أنكر جملة ما ادعاه المدعي وقال: لا تستحق عليّ ولا على الغائب بسبب هذه الدعوى، فكيف يرجع عليه بسبب هذه البينة؟ وإن لم ينكر ما ادعاه على الغائب وإنما أنكر الضمان عند فقد سقط عنه بأدائه عنه في الظاهر، وما ذكره من حكم الباطن ففي الظاهر لا يجوز أخذ ماله. قال المزني: وهذا مما يجامعنا عليه من أنكر القضاء على الغائب يعني به أبا حنيفة فإنه وافقنا في المسألة، لأن له اتصالًا بالحاضر وهو الضامن ينوب عن الغائب في الخصومة. وقال أبو إسحاق: هذا ليس بإلزام لأنهم يقولون بجواز القضاء على الغائب إذا كان هناك خصم حاضر وقال غيره: هذا وإن كانوا يقولونه فهو حجة عليهم، لأنه أثبت البيع و [31/ أ] الثمن على الحاضر والغائب وإنما قيد المزني هذه المسألة بالقبض لأن المدعي إذا لم يدّع أن المشتري قبض السلعة مني لم يستحق طلب الثمن على المشهور من مذهب الشافعي رحمة الله عليه.
فرع
ولو شهدت البينة ولم يعين الغائب باسمه ونسبه فهل يحكم بها على الحاضر بالألف؟ قال صاحب "الإفصاح": يحتمل وجهين:

الصفحة 484