كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (اسم الجزء: 5)

فمشى قدّامي، ومشيت خلفه، وطال الطريق عليّ، وأنا أقول له:
ويحك أين بيتك؟ فيقرّب عليّ المدى.
حتى بلغ آخر نصيبين، في درب خراب يقارب الصحراء، فدقّ بابا، فخرج رجل، ففتح الباب، فدخل، ودخلت.
فحين حصلت في الدهليز، ردم الباب «1» ، واستوثق منه، فأنكرت ذلك، ودخلت، فإذا أنا بثلاثين رجلا، بسلاح، بلا بارية ولا غيرها، وإذا هم لصوص، وهو عين «2» لهم، فأيقنت بالبلية والشرّ.
فقام إليّ واحد منهم، وقال: انزع ثيابك.
فطرحت ما كان عليّ، إلّا السراويل، فجاءوا ليأخذونه، فسألتهم في ذلك، فتركوه.
وحلّوا منديل كمّي، وأخرجوا ثلاثين درهما، وقالوا لمقبل: امض، فخذ لنا شيئا نأكله.
فتقدّم مقبل، فسارّ أحدهم، وهو رئيسهم.
فقال له ذاك: إنّه لا بد من قتله، فجئنا بما نأكله، فإذا جئتنا به، قتلناه.
فعلمت أنّ مقبلا، أشار عليهم بقتلي، فطارت روحي جزعا.
وقال لهم الغلام: لا أمضي أو تقتلوه.
فقلت لهم: يا قوم، أيش ذنبي؟ ولم أقتل؟ قد أخذتم ما لي وثيابي، دعوني أروح.
ثم قلت له: يا مقبل، هذا من حقّي عليك، وحقّ أبي، ويحك، ألا ترحمني؟

الصفحة 255