كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 5)

واعلم أنَّ المروي من زهد الأنبياء عليهم السلام ومواعظهم في ذلك خصوصًا عن سيدنا عيسى عليه السلام لا يمكن حصره لكثرته، وفي هذا القدر كفاية لمن أنعم الله عليه بالهداية.

* تَنْبِيْهٌ:
قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ (77)} [النساء: 77].
وفي الحديث: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوْضَةٍ مَا سَقَىْ كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" (¬1).
ولمَّا تحقق الأنبياء عليهم السلام والصالحون قلةَ الدنيا وحقارتها عند الله وفناءها، دعاهم ذلك إلى الزهد فيها، والرغبة فيما عند الله تعالى.
قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ (96)} [النحل: 96] وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الدنيا" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ملك الموت إلى نوح عليهما السلام فقال: يا أطول النبيين عمراً! كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتًا له بابان، فقال وسطَ البيت هنيهة، ثم خرج من الباب الآخر (¬2).
ولأبي العتاهية: [من مجزوء الرمل]
نُحْ عَلى نَفْسِكَ يا مِسْـ ... ـكِيْنُ إِنْ كُنْتَ تَنُوْحُ
لتمُوْتَنَّ وَإِنْ عُمْـ ... ـمِرْتَ ما عُمِّرَ نُوْحُ
¬__________
(¬1) رواه الترمذي (2320) وصححه، وابن ماجه (4110) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -.
(¬2) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" (229)، وفي "الزهد" (ص: 360).

الصفحة 46