كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 5)

وهذه الأخلاق - وإن كانت مطلوبة منهم وممن على قدمهم مع سائر الناس - إلا أن هذه الأخلاق يتخلق بها العبد مع الأهل لسهولة ما جُبِلَتْ النفوس عليه من الميل إلى الأهل والمودة بينهم، فالرجل تدعوه محبة الأهل إلى مخالقتهم بالأخلاق الكريمة اللطيفة لأنه يحب لهم الرفق بهم، وإلى تعليمهم وتأديبهم لأنه يحب لهم الكمال، وإلى مواساتهم والإنفاق عليهم لأنه يحب لهم الرَّوح والراحة والسعة، ثم يصير ذلك عادة له فيعامل به سائر الخلق، ولذلك قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214].
وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
وقال: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُوْلُ" (¬1).
فإذا عامل أهله بما ذكر، ثم عامل به سائر الخلق كمل وكملت له أخلاق المرسلين، فهو يُعامل الناس بالنصيحة والإحسان والتعليم والتأديب والتكميل مع صون النفس عن أموالهم وقطع الأطماع عنهم، فهو يُعطيهم ولا يسألهم، وينفعهم ولا ينتفع منهم، وينصفهم وإن لم يُنصفوه، إذ كذلك يُعامل العاقل أهله.
ثم يتعرف أن الإيمان لا يستكمله إلا من أحب لإخوانه من البِشر ما يحب لنفسه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ". رواه البخاري في "تاريخه"، وأبو يعلى، والطبراني في "الكبير"، والحاكم
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1361)، ومسلم (1034) من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -.

الصفحة 94