كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 1)

لهم معايب، متخيلاً أنه يحظى باسم المروءة من إلصاق العيب بغيره، والعرب تقول: "فلان يتمرَّأ بنا"؛ أي: يطلب المروءة بنقصنا وعيبنا.
أما صاحب المروءة الصادقة، فيبخل بوقته عن هذه الطريقة الحقيرة، ولا يرضى إلا أن يشغله بما تتقاضاه المروءة من حقوق.
قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو، فقال له: لا تقل ذلك، فوالله! ما تركه من عِيّ، ولكنه كان يترفع عن الهجاء، ويراهُ ضَعَة، كما يرى تركه مروءة وشرفاً، وأنشد قول أبي الهيذام:
وأجْرَأُ مَنْ رأيتُ بظَهْرِ غَيْبٍ ... على عَيْبِ الرّجالِ ذوُو العُيوبِ
وربما اضطر ذو المروءة أن يدافع شر خصومه الكاشحين بذكر شيء من سقطاتهم، ولكن المروءة تأبى له أن يختلق لهم عيباً يقذفهم به وهم برآء؛ فإن الإخبار بغير الواقع يقوِّضُ صرح المروءة، ولا يبقي لها عيناً ولا أثراً.
قال الأحنف: لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل.
ويتصل بهذا الأدب: أن المروءة تحفظ لسان صاحبها أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:
وحَذارِ مِنْ سَفَهٍ يَشينُكَ وصْفُهُ ... إنَّ السَّفاهَ بِذي المروءةِ زَاري
ومن الاحتفاظ بالمروءة: أن يتجنب الرجل تكليف زائريه، ولو بعمل خفيف؛ كان يكون بالقرب من الزائر كتابٌ، فيطلب منه مناولته إياه، أو يكون بجانبه الزر الكهربائي، فيشير إليه بالضغط عليه لإنارة المنزل، أو استدعاء الخادم.
قال عمر بن عبد العزيز: "ليس من المروءة استخدام الضيف".
والمروءة تنادي صاحبها أن يسود في مجلسه الجد والحكمة، وأن لا يلم

الصفحة 13