كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 1)

ويعد في مروءة الرجل: أن يكون حافظاً لما يؤتمن عليه من أسرار.
قال المتنبي من أبيات جعلها خطاباً لمن أودعه سراً، وخشي من إذاعته:
كَفَتْكَ المروءةُ ما تَتَّقي ... وأمَّنَكَ الوِدُّ ما تَحْذَرُ
يريد: أنه ذو مروءة، وذو المروءة لا يفشي سراً ائتمن عليه.
وذو المروءة يحذر أن يؤذي شخصاً، وأشد ما يحذر أن يؤذي ذا مروءة مثله:
وأستحي المروءةَ أنْ تَراني ... قتَلْتُ مُناسبي جَلَداً وقَهْرا
* في المروءة راحة ولذة:
إذا كانت المروءة تقتضي الإعراض عن كثير من اللذات، فإن في المروءة نفسها لذة تفوق كل نعيم في هذه الحياة، وإذا كان في حفظ المروءة ملاقاة كثير من المشاقّ، فإن راحة الضمير التي يجدها الرجل عندما يبلغ في المروءة غاية سامية تنسبه كل مشقة، ولا يبقى معها للتعب باقية.
قال المتنبي:
تَلَذُّ له المروءةُ وهي تُؤْذي ... ومَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ له الغرامُ
ولذة المروءة في شعور النفس ببلوغها كمال الرجولية، أو قربها منها، وإذايتها لصاحبها بما أشرنا إليه من أن للمروعة تكاليف باهظة لا ينهض بها إلا ذو صبر متين، حتى قال أبو عبد الله الكاتب: "الصبر على حقوق المروءة أشد من الصبر على ألم الحاجة".
* ذو المروءة حقيق بالإجلال:
إذا نظرنا في تفاصيل الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها،

الصفحة 15