كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

وجهته، أن يركن إلى خاطر اليأس، فينقض حبل رجائه، وينقلب إلى طبقات الأسافل، وليس له سوى أن يقف في مصارعتها حتى يكسر كُعوبها، ويفت في جَلمدها, فإن ما يتمخض به المستقبل، وتجري به صروف الأقدار، أكبرُ من أن يضبطه قياس، أو تقضي عليه خواطر الأياس.
يتحقق التفضيل بين الشخصين إذا انفرد أحدهما بأصل فضيلة خلي منها الآخر؛ كالعالم والجاهل، والشجاع والجبان، أو بزيادة قسطه منها؛ كالأعلم أو الأشجع يقاس بالعالم أو الشجاع، وقد يختص كل منهما بحلية فضيلة أو فضائل لا يشاركه فيها صاحبه، ولا يعول حينئذ في الترجيح على كثرة الفضائل؛ لجواز أن تكون الفضيلة الواحدة أرجح في الموازنة، وأوفى من فضائل متعددة، وإنما يصار إلى حال كل فضيلة بانفرادها، وتوزن بغيرها، فيعلم أيها أشرف ثمرة، أو أجزل فائدة.
ولا يلزم في إطلاق التفضيل، أن يستوفي الأفضل ما عند المفضول من الكمالات، فقد يستقل المفضول بمزية، ولا يمنع استقلاله بها من إطلاق العبارة في تفضيل غيره عليه. ويصح إذا اختص المفضول بمحمدة، أو كان نصيبه منها أوفر، أن تقرر له الأفضلية من جهتها خاصة؛ كالعالم الكريم لا يتمكن في سجية الإقدام، فتفضله على الجاهل البخيل يبذل نفسه في مواقع الأخطار، ولكنك لا تستطيع أن تغمض لهذا المفضول عن مزية إقدامه حتى لا تقضي له بالأفضلية من جهتها.
وإذا كنا نعد المزية ينفرد بها المفضول، ويسوغ تفضيله من ناحيتها على من ترجح عليه بغيرها من المزايا، فلا يليق بخالص اعتقادنا الاعتراف بأن بعض أفراد الأمة قد يختص بحال كاملة يصدق عليها اسم المزية بدون أن

الصفحة 220