كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

في المسائل القريبة، وإن لم يبلغ في نفسه أن ينسج على منواله، ويرمي في تحقيق المباحث إلى غايته.
ويعجبني قول بعض تلامذة الغزالي: لا يعرف فضل الغزالي إلا من بلغ، أو كاد يبلغ الكمال في عقله. وهي مقالة أمكن في الصواب من قول تاج الدين السبكي: لا يعرف أحد ممن جاء بعد الغزالي قدر الغزالي، ولا مقدار علمه؛ إذلم يجئ بعده مثله.
* شرف الإنسان:
من ضرب بنظره في سيرة رجل ممن شهدت لهم العقول الراجحة، ورفعتهم في رتب السيادة إلى السنام، وأخذ يتبصر في الأحوال التي امتاز بها عن سائر الحيوان، فأول ما يطالعه في صحيفة آثاره: عمل منتظم، وسير لا عوج فيه، يتحرك فتتناثر الصالحات من خلال حركاته، وشمكن فتبتهج العيون بسكينته. وليست هذه الشؤون الظاهرة مما يعرض لأعضائه بغتة، مثل ما يعرض الاختلاج للعين، والارتعاش لليد، بل هي ناشئة عن قلب حاضر، ومنسوجةبإرادة ثابتة. ونفقه أن هذه الإرادة لا تخطر على قلبه؛ كما يريد الرضيع ليقبض على ذُبالة السراج , فيمد يده إليها، وإنما هي أثر علم يتقدمها، وشعور بما يترتب على صنع كذا، أو الإمساك عنه؛ من جلب محمدة أو التخلص من معتبة.
ولا يستقل العلم وحده بإنشاء هذه الإرادة على وجه منسجم؛ فإنك ترى المسلم يعترف بفريضة الزكاة، ويشعر بما يترتب على منعها من العقوبة في الدار الآخرة، ثم يمسك عن إعطائها مطاوعة لطبيعة الشح بمكتسب المال، أو حرصاً على إتلافه في تحصيل لذة عاجلة. فيؤخذ لصدور الإرادات

الصفحة 222