كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

وإصابة الغرض، هي التي أداروا عنانها نحو الإلهيات، فطرحتهم في فضيحة، وألقت على أفواههم كلمات يعدها المؤيد بحجج الشرائع من قبيل ما يهذي به المبرسمون.
وفد العلاء الحضرمي على منذر بن ساوي، فقال له: يا منذر! إنك عظيم العقل في الدنيا، فلا تصغرن عن الآخرة:
فَطِنٌ بكل رزية في ماله ... وإذا يُصاب بدينه لم يشعر
نوه الإِسلام بشأن العقل، وشمله بعناية كبرى، ونكتفي في تقرير هذه العناية بثلاثة شواهد:
أحدها: أنه منع من تناول ما يؤثر فيه خللاً؛ كالمسكرات، وأغلظ القول في تحريمه.
ثانيها: ما وضعه على من ضرب شخصًا، فأزال عقله من دية مبلغها ألف دينار.
ثالثها: توسيع طرق النظر أمامه، واستدعاؤه إلى التدبر في أسرار الموجودات.
رفع الإِسلام مكان العقل، وأثبته في سجل الشرف على شرط أن يوجهه صاحبه في البحث عن مكان الحقيقة، وينافس به لإحراز العلوم النافعة.
ومما ينبهك على هذا الشرط الوثيق: قوله تعالى في ذم قوم حبسوا عقولهم في ظلمة الباطل، ولم يطلقوها من أسر المتابعة والجمود: {إنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44]. فتمثيل حالهم بالأنعام، إنما ساقه إليهم إغفالُ عقولهم، وبقاؤها تائهة في أودية الجهالة، إلى أن حرموها حلاوة اليقين وراحة الاعتقادات الراسية.

الصفحة 225