كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

الذكاء؛ حيث يراد منه الرمي بالفهم إلى أغراض في السياسة غامضة، لا يكون مانعا من ولاية الأحكام بذاته، أو على إطلاقه.
يذكر بعض الناس أن واسع العقل يكون أنكدَ عيشًا في هذه الحياة ممن قصرت أنظارهم، وجمدت مداركهم، ومنهم من يقول: إنما الراحة فيها على مقدار اتساع العقل، وبعد مراميه.
وقد فكّ ابن حزم التعارض بين المقالين؛ بأن استراحة العقلاء من جهة تلقي المكاره بعزيمة ثابتة، وعدم التأثر لصدمات المصائب، بخلاف صاحب النظر الفاترة فإن خاطره ينزعج لأقل بلاء ينزل بساحته، وأما نكد عيش العاقل، فمن أجل ما يشاهده من إطفاء نور الحق، والنفخ في مزمار الباطل، أو الاستماع إلى ألحانه بطرب وارتياح، وهذا بخلاف من انطفت بصيرته؛ فإنه لا يهمه بعد انتظام شؤون بيته أن تنهض الحقوق قائمة، أو تحز أعناقها على نصب الشهوات.
* فضيلة العلم:
إذا كانت العقول في مثال السيوف تقطع الباطل أن يتشبث بأطراف الحقائق، فإن العلم ثقافها الذي يقوم أَودها، ومصقلتها التي تجلو أصداءها. أترون السيف الذي احدودب متنه، أو تكاثف الخبث على غراره، كيف يقبح منظره، وينبو عند الضراب به؟
كذلك العقل إذا غشيته الشبه، وانحدرت به في نواحي الضلالة، حتى التوى غصنه بالتواء شعبها، أو بقي في مستنقع من الجهالة حتى التف عليه من سوادها حجاب كثيف، فإنه يدنو من ذوي البصائر، فتشمئز فطرهم السليمة نفوراً منه، ويذهب إلى البحث عن الحقيقة، فلا يقع على مكامنها.

الصفحة 228