كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

بموجبها غيرةَ من جرّد قريحته في البحث عنها، وأفرغ وسعه في انتزاعها وترتيب نظامها، وأمثال هذا هم الذين لا ينفضون أيديهم من صلة العلم، وإن كسدت بضاعته، ولم يتقدم صاحبه عن موقف الجاهلين خطوة، فإنهم أحسوا في الحكمة بلذة لا يشوبها كدر، ودخلوا في مطالع إيناس لا تمر بها سحائب الوحشة.
ومما لا يرضى التحرير لنفسه، وإن لم يصر أهلاً لبدء القواعد والأحكام: أن يكون راوياً لأقوال العلماء من غير أن يتصرف فيها بمقتضى صناعة التحقيق، كأن يكشف عن الزائف، ويرجح جانب المصيب، أو يفرق بين ما يظهر في صورة التعارض، ويضع كل مقالة في موضعها، أو يستنبط الجواب عما يتوجه على القواعد المسلمة من البحث والاستشكال، وهذا أحد الوجوه التي يتفاضل بها العلماء، وترفع بعضهم فوق بعض درجات.
قال الشيخ ابن عرفة في حديث: "أو علم ينتفع به": تدخل التآليف في ذلك إذا اشتملت على فوائد زائدة، وإلا فذلك خسار للكاغد.
قال الأبي: ويعني بالفائدة الزائدة على ما في الكتب السابقة عليها، وأما إذا لم يشتمل التأليف إلا على نقل ما في الكتب المتقدمة، فهو الذي قال فيه: خسار للكاغد، وهكذا كان يقول في مجالس التدريس: "إذا لم يكن في مجلس الدرس التقاط زيادة من الشيخ، فلا فائدة في حضور مجلسه، بل الأولى ممن حصلت له معرفة الاصطلاح والقدرة على فهم ما في الكتب، أن ينقطع لنفسه، ويلازم النظر". وضمّن ذلك في أبيات نظمها، وهي:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة ... وتقرير إيضاح لمشكل صورةِ
وعزْوُ غريب النقل أو حلّ مقفلٍ ... أو اشكال أبدته نتيجة فكرةِ

الصفحة 232