كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهدْ ... ولا تتركن فالترك أقبحُ خلةِ
وإذا كان ظل العز والشرف يمتد حول العالِم بمقدار سعة معارفه، فيجدر بالرجل أن يلج بفكره في كل علم أمكنته مزاولته، ويأخذ من كل فن بطرف، ولو ألقى رحله في بعض علوم وجد من نفسه استعدادًا وانعطافاً زائداً نحوها.
عكف أبو صالح أيوب بن سليمان مرةً على كتاب "العروض" حتى حفظه، فسأله بعضهم عن وجه إقباله على هذا العلم بعد الكبر، فقال: حضرت قوماً يتكلمون فيه، فأخذني ذل في نفسي أن يكون باب من العلم لا أتكلم فيه.
جرت سنة الله أن علم الشريعة إنما ينال بالأخذ عن علمائها، وينحرف بعض العامة عن هذه العبادة، فيشهدون رجلاً كيف نشأ بينهم، ولم يدخل مجلس تعليم، ولم يصاحب أستاذاً يتلقى عنه ما تجب معرفته من أحكام الدين، فيغترون بمزاعمه، ويعتقدون له مقاماً سامياً في الصلاح، ثم يقتدون بسيرته، ويؤثرون أقواله عما يرويه العلماء من بينات الكتاب والسنّة.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "فتاويه": إن الجاهل بمبادئ العلوم الظاهرة مما يجب عليه تعلمه لا يكون وليًا، وإن علم الشراع لا يدرك إلا بالتعليم الحسي. قال: ويؤيد هذا: أن المحقق ابن عرفة المالكي حكى الإجماع على أن علم الشراع لا يكون إلا بقصد التعليم. وهذا واضح؛ فإن القرب من رب العالمين يكون على قدر سلامة الطوية، وصحة العبادة، ومن لم يتعلم شروط العبادات وواجباتها ومبطلاتها، اختلت أعماله، وكانت عارية عن الصحة، وإذا كان يخرج عن رسم الشرع، ويأتي بعمله على غير

الصفحة 233