كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

وضع، فكيف يصدق إن ادعى المرتبة القريبة من رضاء منزل الشرائع، ويتخذ قدوة يعمل على آثاره قولاً وعملاً.
* أدب النفس:
يظهر جلياً أن توجه الإنسان لعمل يحمد، هو أثر اعتقاده بكماله، والفوز بغايته، ولكن العمل لا يسهل مأخذه، وتنشط له الجوارح بدون تردد، إلا إذا صاحب ذلك الاعتقاد خلقًا ثابتاً، فالخلق حال راسخ في النفس تصدر عنه الأفعال بسهولة.
واعتبر في هذا بموسرين، يبصر أحدهما المسكين في حال احتياج إلى نائل، فتهتز عواطفه رغبًا في إمداده، ويحيى بالارتياح لمواساته، كيف يسري في عروق فؤاده كما يسري الشفاء في مواضع الألم. ويقف في جنب الآخر سائل تحف به شواهد الفاقة والعجز عن الاكتساب، فيشمئز خاطره لاستعطائه، ويحيد عنه بنظره، ولكنه يتذكر ما قرر في فضيلة البر، وما يجازى به المنفق في سبيل الله، فيدفعه ذلك إلى أن يقطع فلذة من فاضل ما عنده، ويضعها في يد السائل، ونفسُه متابعة لها.
فالأول لم يزد على الثاني في صنعه الظاهر، والقيام بمعونة الفقير، سوى أنه بذل ماله عن كرم سجية، ورقة عاطفة، والثاني إنما فارق ما بيده بعد منازعة طبيعته، ومحاورتها بأن العوض عن ذلك أوسع ثواباً وأنقى. وهذا قد ينسج على قلبه الذهول، وتعزب عنه فضيلة البذل، فيصرف السائل خائباً.
هذا الحال الذي نسميه خلقاً، وتتأهب به نفس المتأدب للعمل، قد تنشأ عليه النفس من أول فطرتها, كأخلاق الأنبياء - عليهم السلام -، وقد

الصفحة 234