كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

فعجز هذا البيت لا يتعلق بأذيال الأدب، إلا إذا قصد به ناظمه معنى مقاومة الأحمق ومقابلته بشدة تدفع في أذيته إذا لم يكف في مدافعتها اللينُ والمجاملة، ويماثل هذا قول ابن الرومي يمدح طبيعة الحقد:
وما الحقد إلا توأم الشكر في الفتى ... وبعض السجايا ينتسبن إلى بعضِ
فحيث ترى حقداً على ذي إساءة ... فثمَ ترى شكراً على حسن القرض
فالحقد مما اتفق العقلاء على أنه خلق ذميم؛ لأنه طبيعة احتفاظ الإنسان على الجريمة وإمساكها على ظهر قلب؛ ليجازي بها حيث تسنح الفرصة، وإن أصلحها المجرم ببسط المعذرة، أو رجاء المغفرة، فإذا عني ابن الرومي من الحقد الذي عقد النسب بينه وبين الشكر: عدم نسيان الإساءة لمن لا يغني في رد شكيمته الأناةُ وسماحة الضمير، كان شعره بمقربة من الحكمة السائر.
* فضيلة الإرادة:
يخطر على قلب الرجل صورة عمل، فيحس بنفسه كيف تنزوي هرباً منه، أو تهتز رغبة في إيقاعه، حتى تثبت وتستقر على إحدى الحالين. فصفة استقرار النفس على ترك الأمر أو عمله هو الذي نعنيه بالإرادة.
وقد اشتدت عناية الشريعة بالإرادة، فبعد أن أخذتها شرطاً في صحة الفعل أو كماله، نظرت إليها بانفرادها، ووضعتها بمقربة منه، فقدرت للنوايا الفاضلة نصيباً من المثوبة إذا لم يتمكن صاحبها من إنجاز ما عزم عليه.

الصفحة 239