كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

قال - صلى الله عليه وسلم - فيما روى البخاري: "من همّ بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة". كما فرضت للإرادات السيئة كِفْلاً من العقوبة، وإن لم يعقبها أثر في الظاهر على ما ذهب إليه عامة السلف، واستشهدوا في هذا بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19]، الآية؛ فقد بني استحقاقهم للعذاب الأليم على عمل قلبي، وهو محبة شيوع الفاحشة، واستدلوا بحديث: "إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار"، فقيل: يا رسول الله" هذا القاتل، وما بال المقتول؟ قال: "لأنه أراد قتل صاحبه".
وفي رواية: "أما إنه كان حريصاً على قتل أخيه"؛ فإنه اعتبر في علة العقوبة نفس الإرادة.
وفسر هؤلاء الهم الذي ورد الحديث بعدم المؤاخذة فيه على معنى: حديث النفس بالفعل من غير قرار عليه وتصميم.
وكذلك جاءت الشريعة بتزكية الأرواح، وإعلاء مقامها عن الأوصاف التي شأنها تثبت الآثار السيئة على الجوارح؛ كالحب والبغض والحقد والحسد، وفوضت لها نصيباً من الجزاء، إذا استرسل معها صاحبها، ولم يقوّم عوجها بسيف الحكمة والمجاهدة، وإنما حجز بينها وبين مباشرة العمل مانع في الخارج.
تتفاضل الإرادات بالشدة والضعف، فقد يربط كل من الرجلين على قلبه القصد إلى مساع دونها سبل شاسعة وأخطار، ويشرعان في العمل، فيذهب أحدهما وهو يقاطع المثبطات، ويدافع ما يقف عرضة في سبيله إلى أن يضع يده على الغاية، ويتدرج ثانيهما زمناً، حتى إذا ما أحست قدمه بعثرات تترامى أمامه، قطع سيره، وصرف وجهه شطر همة أخرى. فمنشأ تمادي ذلك،

الصفحة 240