كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

وإذا أقمت الوزن بينهما، فقد يساوي ذو اللسانين صاحبه في قدر معرفته باللسان المشترك، فتكون فضيلته أظهر. وتارة ينقص عنه، فلا بد لك حينئذ من النظر إلى الزيادة التي حازها ذو اللسان الواحد، وتقيس أثرها بأثر اللسان الذي استقل به صاحبه، فإن استويا، فإن ذا اللسان الواحد وذا اللسانين في منزلة واحدة من الشرف، وإن كان أثر الزيادة في اللسان المشترك أعظم من أثر اللسان المختص به، فذو اللسان الواحد يكون أعرق في المزية وأرقى، وإن كان أثر اللسان الثاني أقوى من أثر الزيادة، فهاهنا يكون ذو اللسانين أرجح وزناً وأرفع درجة.
وأما الوجاهة، وهي أن يحصل للرجل شأن يستهوي إليه نفوس قوم بمودة أو رهبة أو رجاء، فتارة تكتسب باستقامة السيرة، وخلوص الطويّة؛ فقد جرت سنّة الله أن من صفت سريرته، وغزرت صالحاته، أحدقت إليه الضمائر الحرة، وأولته وداً وانعطافاً، وهو ما وصف الله به عيسى - عليه السلام - في قوله: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [آل عمران: 45]. وهذا الضرب من الوجاهة وَصْفُ شرف في نفسه، وإذا توسل به الوجيه إلى قضاء ما يهم الناس من المآرب، كان سيادة فوق سيادة. وتارة تدرك بحال تربي رهبة؛ كالقرب من ذي سلطة، أو تحث رغبة؛ كثروة يطمع الطامعون أن يبلّوا صدى حاجاتهم من قطراتها. وهذا الضرب إنما يحتمله العد في مساق الفخر، إذا خدم صاحبه المصلحة، وتناهى به إلى صنيع يشكر عليه.
وإذا اطلعت على أثر يقتضي البعد عن الوجاهة، فإنه مصروف إلى الحرص في طلبها، والتصنع لإحراز سمعة في المجامع الحافلة والبلاد القاصية، وأما إذا اندفعت همة الرجل إلى المكارم بجاذب ابتغاء الفضيلة،

الصفحة 248