كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

أياه. فنفذ سهم هذه المقالة في فؤاده، فأفحمه، وقام عنها.
وأما الاعتصاب بعشيرة أولي قوة على إمضاء عزيمتهم، وحماية ذمارهم، فيحسب في دعائم الشرف إذا استنجد به أخو العشيرة في اقتضاء الحقوق، أو مكافحة الأيدي المتطاولة إليها.
وفي الصحيح: "ما بعث الله نبياً إلا في مَنعَة من قومه".
وقال هرقل في مسألته لأبي سفيان عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف هو فيكم؟ فقال أبو سفيان: هو فينا ذو حسب. فقال هرقل: والرسلُ تبعث في أحساب قومها. قال ابن خلدون: ومعناه: أن تكون له عصابة وشوكة، تمنعه عن أذى الكفار حتى يبلغ رسالة ربه.
وقد يأخذ العرب قلة النفر في موضع الهجاء، ويدرجونها في مساق التعيير، كما قال شاعرهم:
تعيّرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها: إن الكرام قليل
ثم إن الفائدة في كثرة عدد القبيلة عائدةٌ إلى اتساع سطوتهم، وبسط رواق العز على من تشبّث بجوارهم، وإذا استتب هذا الغرض لنفر قليل، فلا يلحقهم غضاضة من قلة عددهم، لاسيما إذا قيسوا بقوم غمروا بسوادهم البلاد، وامتدت عروقهم في كل واد، ولكن خمدت غيرتهم، ولم تهب الأنفة على معاطسهم، فيداس عنق المستغيث بحرمهم وأبصارُهم شاخصة، وإلى هذا أومأ بقوله:
وما ضرّنا أنا قليلٌ وجارنا ... عزيزٌ وجار الأكثرين ذليلُ
* فضيلة العمل:
العمل الفاضل: ما دعا إليه منزّل الشرائع كلَّ واحد بعينه؛ كالعبادات،

الصفحة 251