كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

أو خاطب عليه الأمة؛ لتقوم به طائفة منها؛ كالتعليم، وحماية الحقوق. ولا يعد في محاسن الأعمال ما لا يطلع له في دلائل الإسلام على ما يشهد باستحسانه، وهذا القسم منه: ما صد عن سبيله، فيدخل الآخذ به في حزب الأراذل؛ كأكل أموال الناس بنحو الارتشاء، ومنه: ما خلى بينه وبين ما يختاره العبد لنفسه؛ كترويح الخاطر باجتلاء الأزهار الرائقة، والأنهار الدافقة؛ فإنه لا يخطو به إلى محمدة، كما أنه لا يجر عليه ملامة.
ومن الأعمال ما يقع على أوضاع متعددة، فيطلق الشارع الإذن في إتيانه بدون أن يحده برسم خاص، ولكن تجري عادة قوم بملابسته على حالة مخصوصة، ويهجرون سائر أحواله، فيتجدد بهذه العادة تخصيص لذلك الإذن العام، فتفضل هذه الحالة المألوفة، ويلحق غير المألوف بما يكره التلبس به؛ فإن من يرفض الطور المعروف، ويستبدل به طوراً مهجوراً على سبيل الهزل أو التقليد أو الإغراب، استحمقه الناس، ورتعوا في عرضه بالوقيعة والاستهزاء، وهذا ما يورده الفقهاء في باب الشهادة، ويسمون الاحتفاظ به: مروعة، فلو نبذ الرجل عادة قومه لوجه ظاهر في المصلحة، لم يكن انصرافه هذا خارقاً لثوب مروءته.
يتسابق الناس في الأعمال الطيبة بحسب تفاضلها في نفسها، وأفضلية العمل تعرف بنص الشارع، أو بعظم ثوابه؛ كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد، أو بمصاحبته لفضيلة أخرى؛ كفضل صلاة النبي على صلاة غيره؛ لمقارنتها للنبوءة، أو بشدة المشقة؛ كفضل الدعوة إلى الخير حال الغربة والانفراد على الدعوة إليه في الوطن، أو مع كثرة الأعوان، أو بعموم المنفعة؛ كفضل المنتصب للتعليم على المنقطع للعبادة. ويرتفع بعضها فوق بعض منزلة بقدر الإخلاص فيها، وما يقصده العامل عند مباشرتها.

الصفحة 252