كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

كل عيب؛ بخلاف اعتقاده بفاضل شهد شخصه، وراقب سيرته؛ فإنه يطلع له على أحوال لا يستحسنها بمقتضى ذوقه أو عادته، أو كانت مما يؤاخذ به الفضلاء، وشأنه أن يندمج في فضائلهم، وتغطي عليه محاسنهم. ومن هنا نشَأت المقالة السائرة: "إن الخبر عن الغائب فوق المشاهدة".
قال أبو بكر بن العربي في "قانون التأويل": ورد علينا ذا نشمند (يعني: الغزالي)، فنزل برباط أبي سعيد بازاء المدرسة النظامية، فلقيناه لقاء المعرفة، وشاهدنا منه ما كان فوق الصفة، وتحققنا أن الذي نقل إلينا: "إن الخبر عن الغائب فوق المشاهدة" ليس على العموم.
ومن هذا: حسنُ التركيب، وجمال المنظر، فلا يعد في نفس الفضيلة، وإنما هو كالعلامة الرامزة إلى حسن الخلق؛ فإنه - كما يقول الحكماء - دالّ على اعتدال المزاج، وإذا اعتدل المزاج، كان منشأ للأفعال الجميلة - غالباً -، ومن هنا قال الفقهاء بتقديم صبيح الوجه إلى الإمامة إذا ساوى غيره في شرائطها، وأوصافِ كمالها.
فإن تخلف عن وسامة المحيا حريةُ الطبع، وشهامة الخاطر، انفصل عن محل الاعتبار في نظر الشارع وعادةِ الفضلاء. قال المتنبي:
وما الحسنُ في وجه الفتى شرفٌ له ... إذا لم يكن في فعله والخلائقِ
وإن خطر لك أن تثبت له المزية في نفسه، فلا يمكنك سوى أن تعده مزية في الإنسان من حيث إنه جسم، كما أن قوة حواسه الظاهرة كمال فيه بوصف كونه حيواناً.
ووضع في الطبائع إجلال العالي في السن، وتفضيله على من هو أقصر أجلاً، أو أقرب عهداً بالحياة منه، والسر في هذا: أن الشيخ بامتداد حياته،

الصفحة 258