كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 5/ 2)

ويرضى ذهاب الرجس عن غيرهم؛ للإيذان بأن حكم الآل حكم غيرهم في استقباح المعاصي منهم، وارادة تطهيرهم من آثامها؛ لئلا يتوهم أن قرابتهم من أكمل الخليقة تقوم مقام الأعمال الصالحة، وتجعلهم بحيث لا تستقبح منهم الفحشاء، ولا تكتب في صحائفهم الأوزار.
* مظاهر التشريف:
طبع البشر على أنهم إذا عرفوا رجلاً بنعت شرف، أكبروه في قلوبهم، وهابوه في نفوسهم، بمقدار ما يعتقدون فيه من الكمال. ويشاهد أثر ذلك الإجلال في بعض أحوالهم الظاهرة عند مواجهته.
تنوعت الهيئات التي يقصد بها إجلال الرجل العظيم بحسب اختلاف عوائد الأمم وأذواقهم إلى أنواع شتى، لا داعي في هذه الورقات إلى استقرائها، وإنما نأتي على المنهج الذي يلائم النفوس الفاضلة، ويسعها أن تسلكه عن رضا وسماحة خاطر.
يتجلى لك هذا المنهج، إذا أنست رجلاً سليم الفطرة، حاضر العقل، ولم يحدث له رجاء ولا رهبة من الرجل الأفضل، فإنه لا يصدر عنه من شعائر الاحترام عندما يلاقيه أكثر من أن يبسط يده إلى مصافحته، ويطلق لسانه بتحيته، أو بما يستحق من التمجيد، وإذا تواصلت بينهما المحادثة، سلك في خطابه سبيل الأدب الجميل، وتلقى مطالبه بحسن الطاعة.
طالع التاريخ، تر الرجل من آحاد الرعايا يدخل في مجلس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فلا يزيده على التحية الإسلامية، فيقنع الخليفة برسم هذه التحية، ويرد عليه بمثلها، أو أحسن منها، وما كان ابن الخطاب يجهل أن الرجل يحترمه بقلبه؛ لأنه لم يلثم راحته، ولم يلبس ثوب العبودية بين يديه، بل كان على خبرة

الصفحة 265