كتاب العقوبات لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

57 - أخبرنا سريج بن يونس، قال: حدثنا حفص بن غياث، قال: أخبرنا أشعث، عن جهم، عن إبراهيم، قال: أوحي إلى نبي من الأنبياء، أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية، ولا أهل بيت، ولا رجل، يكونون لله عز وجل على طاعة, فيتحولون منها إلى معصية، إلا تحول الله عز وجل لهم مما يحبون إلى ما يكرهون، وليس من أهل قرية، ولا أهل بيت، ولا رجل، يكونون لله عز وجل على معصية, فيتحولون منها إلى طاعة، إلا تحول الله عز وجل لهم مما يكرهون إلى ما يحبون، وقل لقومك يعملوا ولا يتكلوا؛ فإنه ليس من خلقي.... للحساب, إلا حق عليه العذاب.
58 - حدثني محمد بن حاتم بن بزيع، قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير، عن الحكم بن بشير، قال: حدثني عمرو بن قيس الملائي، قال: أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء: إن قومك استخفوا بحقي، وانتهكوا معاصي، فقل للمحسن منهم فلا يتكلم على إحسانه، لا أقاص عبدا إلى الحساب، فأقيم عليه عدلي، إلا كان لي عليه الفضل، إن شئت عذبته وإن شئت رحمته, وقل للمسيء فلا يلقي بيده، فإنه لن يكثر علي ذنب أن أغفره إذا تاب منه صاحبه كما ينبغي، إنه ليس مني من سحر, أو سحر له، أو تكهن, أو تكهن له، إنما هو أنا وخلقي، فمن كان يؤمن بي فليدعني، ومن كان يؤمن بغيري فليدع غيري، إنما أنا وخلقي، وخلقي كله لي.
59 - حدثني الحسن بن يحيى بن كثير العنبري، قال: حدثنا محمد بن كثير الصنعاني، عن مخلد بن حسين بن أبي بكر بن الفضل، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال: أوحى الله عز وجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل, يقال له: أرميا: أن قم بين ظهراني قومك؛ فإن لهم قلوبا لا يفقهون بها، وأعينا لا يبصرون بها، وآذانا لا يسمعون بها، فسلهم كيف وجدوا غب طاعتي؟ وسلهم كيف وجدوا غب معصيتي؟ وسلهم هل شقي أحد بطاعتي؟ أم هل سعد أحد بمعصيتي؟ إن البهائم تذكر أوطانها, فتنزع إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت به إياهم، والتمسوا إكرامه من غير وجهها، أما ملوكهم فكفروا نعمتي، وأما أحبارهم فلم ينتفعوا بما عرفوا من حكمتي، خزنوا المنكر في صدورهم، وعودوا الكذب ألسنتهم، فبعزتي وجلالي لأهيجن عليهم جنودا لا يعرفون وجوههم، ولا يفقهون ألسنتهم، ولا يرحمون بكاءهم، أسلط عليهم خيل راماسيا، له جنود كقطع السحاب، كأن حمل فرسانه كالعقبان، وكأن خفق راياته أجنحة النسور، فيدعون العمران خرابا، والقرى وحشا, فويل لإيلياء وسكانها، كيف أسلط عليهم السباية، وأذلهم بالقتل، لأبدلنهم بعد حب الأعراس صراع الهام، ولأبدلن بغناهم بعد العز الذل، وبعد الشبع الجوع، ولأجعلن لحومهم زبل الأرض، وعظامهم طاحية للشمس, فقال ذلك النبي: أي رب، إنك لمهلك الأمة، ومخرب هذه المدينة، وهم ولد خليلك إبراهيم، وأمة صفيك موسى، وقوم نبيك داود، فأي أمة تأمن مكرك بعد هذه الأمة؟ وأي مدينة.... عليك بعد هذه المدينة؟ فأوحى الله عز وجل إليه: إني إنما أكرمت إبراهيم وموسى وداود بطاعتي، ولو عصوني لأنزلتهم منازل العاصين, إن القرون قبلك كانوا يستحرمون لمعصيتي, حتى القرن الذي أنت فيه، فأظهروا معصيتي فوق رؤوس الجبال، وتحت ظلال الشجر، وفي بطون الأودية, فلما رأيت ذلك أمرت السماء فكانت طبقا من حديد عليهم، وأمرت الأرض فكانت صفحة من نحاس، فلا سماء تمطر، ولا أرض تنبت، فإذا مطرت السماء شيئا فبرحمتي وعطفي على البهائم، وإن أنبتت الأرض شيئا تسلطت عليه الجراد, والجنادب, والصراصير، فإن حصدوا منه شيئا في خلال ذلك فأودعوه في بيوتهم, نزعت بركته، ثم يدعون فلا أستجيب لهم.

الصفحة 122