كتاب العمر والشيب لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

56 - حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْخَثْعَمِيُّ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: نَظَرَ إِيَاسُ بْنُ قَتَادَةَ فِي الْمِرْآةِ، فَرَأَى شَيْبَةً فَقَالَ: أَلاَ أُرَانِي خَمِيرًا لِحَاجَاتِ بَنِي تَمِيمٍ، وَالْمَوْتُ يَطْلُبُنِي فَخَرَجَ، فَنَزَلَ الشَّبَكَةَ فَاتَّخَذَهَا مَسْجِدًا، فَلَمْ يَزَلْ يَعْبُدُ اللَّهَ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ: لأَنْ أَلْقَى اللَّهَ مُؤْمِنًا مَهْزُولاً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ مُنَافِقًا سَمِينًا.
فَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلِمَ أَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَلاَ تَأْكُلُ الإِيمَانَ.
57 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَافَةَ الْغَافِقِيِّ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كَانَ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ فَأَخَذَ الْمِرْآةَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَظَرَ إِلَى شَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي لِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَلاَ أَرَى بَرِيدَ الْمَوْتِ قَدْ أَسْرَعَ إِلَيَّ، شَأْنُكُمْ إِمْرَتُكُمْ، شَأْنُكُمْ ضَيْعَتُكُمْ، وَابْتَنَى لِنَفْسِهِ خُصًا، فَلَمْ يَزَلْ يَتَعَبَّدُ فِيهِ حَتَّى مَاتَ.
58 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ قَالَ: نَظَرَ أَبِي فِي الْمِرْآةِ يَوْمًا فَجَعَلَ يَتَأَمَّلُ شَيْبًا فِي لِحْيَتِهِ وَيَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: إِنَّ الشَّيْبَ تَمْهِيدُ الْمَوْتِ.
وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَهُ:
أَلاَ فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْت ... فَإِنَّ الشَّيْبَ تَمْهِيدُ الْحِمَامِ
وَقَدْ جَدَّ الرَّحِيلُ فَكُنْ مُجِدًّا ... بِحَطِّ الرَّحْلِ فِي دَارِ الْمُقَامِ.
59 - أَنْشَدَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخَثْعَمِيُّ عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ، لإِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ:
وَلَقَدْ كُنْتُ فِي الشَّبِيبَةِ أَلْهُو ... بِحِسَانٍ نَوَاعِمٍ أَتْرَابِ
فَزَجَرْتُ الشَّبَابَ بِالْحِلْمِ حَتَّى ... رَكَدَ الشَّيْبُ فِي مَحَلِّ الشَّبَابِ
فَانْقَضَتْ شِرَّتِي وَأَقْصَرَ جَهْلِي ... وَاسْتَرَاحَتْ عَوَاذِلِي مِنْ عِتَابِي.

الصفحة 231