كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

28 - وحدَّثني حمزة بن العباس, قال: أخبَرَنا عبدان, قال: أخبَرَنا عبد الله، حَدَّثَنا يحيى بن أيوب، عن ابن غزية, قال: كان أبو الجهيم الحارث بن الصمة لا يجالس الأنصار، فإذا قيل له, قال: الناس شر من الوحدة, وكان يقول: لا أذم أحدا على ما عشت، ولا أركب دابة إلا وأنا ضامن يريد على الله قال: وكان زعموا من أعبد الناس وأشده اجتهادا، وكان لا يفارق المسجد.
29 - حدَّثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، أخبَرَنا إبراهيم بن الأشعث, قال: سمعت الفضيل يقول: من استوحش من الوحدة، واستأنس بالناس, لم يسلم من الرياء, قال: وسمعته يقول: من خالط الناس, لم يسلم ولم ينج من إحدى اثنتين: إما أن يخوض معهم إذا خاضوا في باطل، وإما أن يسكت إذا رأى منكرا أو سمعه من جلسائه، فلا يغير, فيأثم، ويشركهم فيه.
30 - حدَّثني محمد بن منصور, قال: حَدَّثَنا يحيى بن سعيد, قال: قال نصر بن يحيى بن أبي كثير: من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم.
31 - حدَّثني محمد بن الحسن, قال: حدَّثني أبو الوليد عياش بن عاصم الكلبي, قال: حدَّثني سعيد بن صدقة أبو مهلهل, قال: أخذ بيدي سفيان الثوري, رحمه الله, فأخرجني إلى الجبان، فاعتزلنا ناحية عن طريق الناس، فبكى، ثم قال: يا أبا مهلهل! إن استطعت أن لا
تخالط في زمانك هذا أحدا فافعل, فليكن همك مرمة جهازك، واحذر إتيان هؤلاء الأمراء، وارغب إلى الله عز وجل في حوائجك لديه، وافرغ إليه فيما ينوبك، وعليك بالاستغناء عن جميع الناس, فارفع حوائجك إلى من لا تعظم الحوائج عنده, فوالله, ما أعلم اليوم بالكوفة أحدا لو فزعت إليه في قرض عشرة دراهم فأقرضني لم يكتمها علي حتى يذهب ويجيء، ويقول: جاءني سفيان فاستقرضني فأقرضته.

الصفحة 35