كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

70 - حَدَّثَنا العباس بن جعفر، حَدَّثَنا الحارث بن مسكين، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرنا مالك بن أنس, قال: كان زياد مولى ابن عياش معتزلا، لا يكاد يجلس مع أحد، إنما هو أبدا يخلو وحده بعد العصر وبعد الصبح.
71 - حَدَّثَنا هارون بن عبد الله، حدثني محمد بن يزيد بن خنيس, قال: قال شرحبيل: كان رجل يقال له: إبراهيم بن عبد الله المديني، قيل له: ابن ميمون هو؟ قال: نعم, قيل للحسن: ها هنا رجل لم نراه قط جالسا إلى أحد، إنما هو أبدًا خلف سارية وحده! فقال الحسن: إذا رأيتموه, فأخبروني به, قال: فمروا به ذات يوم ومعهم الحسن، فأشاروا له إليه، فقالوا: ذاك الرجل الذي أخبرناك به, فقال: امضوا حتى آتيه, فلما جاءه, قال: يا عبد الله ّ أراك قد حببت إليك العزلة, فما يمنعك من مخالطة الناس؟ قال: ما أشغلني عن الناس, قال: فتأتي هذا الرجل الذي يقال له: الحسن فتجلس إليه؟ قال: ما أشغلني عن الحسن وعن الناس, قال له الحسن: فما الذي شغلك رحمك الله عن الناس وعن الحسن؟ قال: إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة, فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار للذنب، والشكر لله على النعمة, فقال له الحسن: أنت يا عبد الله! أفقه عندي من الحسن، الزم ما أنت عليه.
72 - وحدثني هارون بن عبد الله, قال: حدثني محمد بن يزيد بن خنيس, قال: قال إبراهيم بن عبد الله: قال الحسن: قدم علينا رجل من الأنصار، فقال لأصحابي: هل لكم في الذهاب إلى هذا الرجل الصالح فنؤدي من حقه، وأسال الله أن يسمعنا منه كلمة ينفعنا الله بها, فجئنا إلى رجل مشغول بنفسه، كثير حديث النفس، ضارب بذقنه في صدره, فسلمنا، فرد السلام، ورفع رأسه إلينا، ثم عاد لحاله الأولى، فمكثنا طويلا لا يكلمنا، ولا نجترئ أن نكلمه, فأشرت إلى أصحابي بالقيام، فلما أحسنا قد قمنا, رفع إلينا رأسه، فإذا هو يرى زيا غير زي أصحابه الذين أدرك, قال: حتى متى أنتم على ما أرى؟ ما أصبحتم إلا كالبهائم, ثم قال: لقد أتعبتم الواعظين, ثم عاد لحاله الأولى, فوالله, ما زادنا عليها، ولا ازددنا منه أكثر منها.

الصفحة 43