كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

79 - حدَّثني محمد بن الحسين، حدثني محمد بن موسى بن عامر الأزدي, قال: سألت راهبا عن قائم له من حديد، قلت: ما أشد ما يصيبك في موضعك هذا من الوحدة؟ فقال: ليس في الوحدة شدة، إنما الوحدة أنس المريدين.
80 - حدَّثني محمد, قال: حدثني محمد بن عبد الله الخزاعي، حدثني رجل من أهل الشام: أنه دخل كهف جبل في ناحية عن طريق الناس, فإذا هو بشيخ مكبوب على وجهه، وإذا هو يقول: إن كنت أطلت جهدي في دار الدنيا، وتطيل شقائي في الآخرة، لقد أهملتني وأسقطتني من عينك أيها الكريم, قال: فسلمت, فرفع رأسه، فإذا دموعه قد بلت الأرض, فقال: ألم تكن الدنيا لكم واسعة، و أهلها لكم أناسا؟! فلما رأيت من عقله ما رأيت, قلت له: رحمك الله! اعتزلت الناس، واغتربت في هذا الموضع؟! فقال: فأنت أي أخي, فحيث ما ظننت أنه أقرب لك إلى الله, فابتغ إلى ذلك سبيلا، فلن يجد مبتغوه من غيره عوضا, قال: قلت: فالمطعم؟ قال: أقبل ذاك عند الحاجة إليه, قال: قلت: فالقلة؟ قال: إذا أردنا ذلك, فينبت الأرض وقلوب الشجر, قال: قلت: ألا أخرجك من هذا الموضع فآتي بك أرض الريف والخصب؟! قال: فبكى، ثم قال: إنما الريف والخصب حيث يطاع الله عز وجل، وأنا شيخ كبير أموت الآن، لا حاجة لي بالناس.

الصفحة 47