كتاب الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

98 - وَأَنْشَدَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ هذه الأبيات يَقُولُ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَبَّكَ لَيْسَ تُحْصَى... أَيَادِيهِ الْحَدِيثَةُ وَالْقَدِيمَهْ
تَسَلَّ عَنِ الْهُمُومِ فَلَيْسَ شَيْءٌ... يُقِيمُ وَمَا هُمُومِكُ بِالْمُقْيمَهْ
لَعَلَّ اللَّهَ يَنْظُرُ بَعْدَ هَذَا... إِلَيْكَ بِنَظْرَةٍ مِنْهُ رَحِيمَهْ.
99 - وَسَمِعْتُ مَحْمُودًا الْوَرَّاقَ، يُنْشِدُ هذه الأبيات:
يُمَثِّلُ ذُو الْعَقْلِ فِي نَفْسِهِ... مُصِيبَتَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلا
فَإِنْ نَزَلَتْ بَغْتَةً لَمْ تَرُعْهُ... لِمَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مَثَّلا
رَأَى الْهَمَّ يُفْضِي إِلَى آخِرٍ... فَصَيَّرَ آخِرَهُ أَوَّلا
وَذُو الْجَهْلِ يَأْمَنُ أَيَّامَهُ... وَيَنْسَى مَصَارِعَ مَنْ قَدْ خَلا
فَإِنْ بَدَهَتْهُ صُرُوفُ الزَّمَانِ... بِبَعْضِ مَصَائِبِهِ أَعْوَلا
وَلَوْ قَدَّمَ الْحَزْمَ فِي أَمْرِهِ... لَعَلَّمَهُ الصَّبْرُ حُسْنَ الْبَلا
100 - حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: قَالَ أَبِي: حَبَسَنِي الْمَهْدِيُّ فِي بِئْرٍ، وَبُنِيَتْ عَلَيَّ قُبَّةٌ، فَمَكَثْتُ فِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ حِجَّةً، حَتَّى مَضَى صَدْرٌ مِنْ خِلافَةِ الرَّشِيدِ، وَكَانَ يُدَلَّى إِلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفٌ وَكُوزٌ مِنْ مَاءٍ، وَأُوذَنُ بِأَوْقَاتِ الصَّلاةِ، فَلَمَّا كَانَ فِي رَأْسِ عَشَرَةِ ذِي الْحِجَّةِ أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ:
حَنَا عَلَى يُوسُفٍ رَبٌّ فَأَخْرَجَهُ... مِنْ قَعْرِ جُبٍّ وَبَيْتٍ حَوْلَهُ غمَمُ
قَالَ: فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَقُلْتُ: أَتَى الْفَرَجُ، فَمَكَثْتُ حَوْلا لا أَرَى شَيْئًا، فَلَمَّا كَانَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ أَتَانِي ذَلِكَ الآتِي، فَقَالَ لِي هذا البيت:
عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللَّهُ إِنَّهُ... لَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ
قَالَ: فَمَكَثْتُ حَوْلا لا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ أَتَانِي ذَلِكَ الآتِي بَعْدَ الْحَوْلِ فَقَالَ هذين الأبيات:
عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ... يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ
فَيَأْمَنُ خَائِفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ... وَيَأْتِي أَهْلَهُ النَّائِي الْغَرِيبُ
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ نُودِيتُ، فَظَنَنْتُ أَنِّي أُؤَذَّنُ بِالصَّلاةِ، فَدُلِّيَ إِلَيَّ حَبْلٌ أَسْوَدُ، وَقِيلَ لِي: اشْدُدْ بِهِ وَسَطَكَ، فَفَعَلْتُ، فَأَخْرَجُونِي، فَلَمَّا قَابَلْتُ الضَّوْءَ غُشِيَ بَصَرِي، فَانْطَلَقُوا بِي فَأُدْخِلْتُ عَلَى الرَّشِيدِ، فَقِيلَ لِي: سَلِّمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، الْمَهْدِيُّ؟ قَالَ: لَسْتُ بِهِ، قُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، الْهَادِي؟ فَقَالَ: وَلَسْتُ بِهِ، قُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: الرَّشِيدُ، قُلْتُ: الرَّشِيدُ، قَالَ: يَا يَعْقُوبُ بْنَ دَاوُدَ، وَاللَّهِ، مَا شَفَعَ فِيكَ أَحَدٌ، غَيْرَ أَنِّي حَمَلْتُ اللَّيْلَةَ صَبِيَّةً لِي عَلَى عُنُقِي، فَذَكَرْتُ حَمْلَكَ إِيَّايَ عَلَى عُنُقِكَ، فَرَثَيْتُ لَكَ مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ، فَأَخْرَجْتُكَ، قَالَ: فَأَكْرِمْنِي وَقَرِّبْ مَجْلِسِي، ثُمَّ قَالَ لِي: إِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ يَتَنَكَّرُ لِي، كَأَنَّهُ خَافَ أَنْ أَغْلِبَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَهُ، فَخِفْتُهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ لِلْحَجِّ، فَأَذِنَ لِي، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا.
قال أبو بكر: فبلغني أن عينه عولجت بعد فأبصر بها، وكان يعقوب بن داود قد غلب على عقل المهدي وكان يسع عند المهدي، فقال له المهدي: إذا خرجت للبول.... عندي.

الصفحة 482