كتاب الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
107 - أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عمرو أَبو سَلَمَةَ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَطَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْغَلابِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ سَارَعَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَاجْتَهَدَ مَعَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ طَلَبَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فَاخْتَفَيْتُ فَقَبَضَ أَمْوَالِي وَدُورِي، وَلَحِقْتُ بِالْبَادِيَةِ، فَجَاوَرْتُ فِي بَنِي نَصرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ فِي بَنِي كِلَابٍ، ثُمَّ فِي بَنِي فَزَارَةَ، ثُمَّ فِي بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ تَنَقَّلْتُ فِي بِوَادِي قَيْسٍ أُجَاوِرُ فِيهِمْ، حَتَّى ضِقْتُ ذَرْعًا بِالاخْتِفَاءِ، فَأَزْمَعْتُ عَلَى الْقُدُومِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَالاعْتِرَافِ لَهُ، فَقَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَنَزَلَتْ فِي طَرَفٍ مِنْهَا، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، وَكَانَ لِي وَادًّا فَشَاوَرْتُهُ فِي الَّذِي أَزْمَعْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَأْي، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِذَنْ لَيَقْتُلَنَّكَ وَإِنَّكَ لَتُعرض عَلَي نَفْسِكَ، فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَشَخَصْتُ حَتَّى قَدِمْتُ بَغْدَادَ، وَقَدْ بَنَى أَبُو جَعْفَرٍ مَدِينَتَهُ، وَنَزَلَهَا، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَرْكَبُ فِيهَا مَا خَلا الْمَهْدِيَّ، فَنَزَلْتَ دَارًا، ثُمَّ قُلْتُ لِغُلمِاني: أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمْهِلُوا ثَلاثًا، فَإِنْ جِئْتُكُمْ وَإِلا فَانْصَرِفُوا، وَمَضَيْتُ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَجِئْتُ دَارَ الرَّبِيعِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يَنْزِلُ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ فِي الدَّارِ الشَّارِعَةِ عَلَى قَصْرِ الذَّهَبِ، فَلَمْ أَلبس أَنْ خَرَجَ يَمْشِي، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَقُمْتُ مَعَهُمْ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: قَطَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ، قُلْتُ: أَنَا هُوَ فَأَقْبَلَ عَلَى مُسَوَّدَةٍ مَعَهُ، فَقَالَ: احْتَفِظُوا بِهَذَا، قَالَ: فَلَمَّا حُرِسْتُ لَحِقَتْنِي نَّدَامَةُ، وَتَذَكَّرْتُ رَأْيَ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، فَتَأَسَّفْتُ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ الرَّبِيعُ، فَلَمْ يُطِلْ حَتَّى خَرَجَ خَصِيُّ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدْخَلَنِي قَصْرَ الذَّهَبِ، ثُمَّ أُتِيَ بَيْتًا حَصِينًا، فَأَدْخَلَتهِ، ثُمَّ أَغْلَقَ عَلَيَّ وَانْطَلَقَ، فَاشْتَدَّتْ نَدَامَتِي، وَأَيْقَنْتُ بِالْهَلاكِ، وَخَلَوْتُ بِنَفْسِي أَلُومُهَا، فَلَمَّا كَانَت الظُّهْرُ، أَتَانِي الْخَصِيُّ بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأُتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَتَانِي بِطَعَامٍ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي صَائِمٌ، فَلَمَّا كَانَت الْمَغْرِبُ أَتَانِي بِمَاءٍ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَرْخَى عَلَيَّ اللَّيْلُ سُدُولَهُ، يَئِسْتُ مِنَ الْحَيَاةِ، فَسَمِعْتُ أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ تُغْلَقُ، وَأَقفالهَا تُشْدَدُ، فَامْتَنَعَ مِنِّي النَّوْمُ، فَلَمَّا ذَهَبَ صَدْرٌ مِنَ اللَّيْلِ أَتَانِي الْخَصِيُّ فَفَتَحَ عَلَيَّ، وَمَضَى بِي فَأَدْخَلَنِي صَحْنَ الدَّارِ، ثُمَّ أدَنَاني مِنْ سِتْرٍ مَسْدُولٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا خَادِمٌ فَأُدْخِلْنَا، فَإِذَا أَبُو جَعْفَرٍ وَحْدَهُ، والرَّبِيعُ قَائِمٌ في نَاحِيَةً، فَأَكَبَّ أَبُو جَعْفَرٍ هُنَيْهَةً مُطْرِقًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هِيهْ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا قَطَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَدْ وَاللَّهِ جَهِدْتُ عَلَيْكَ جَهْدِي، فَعَصَيْتُ أَمْرَكَ، وَوَالَيْتُ عَدُوَّكَ، وَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَسْلُبَكَ مُلْكَكَ، فَإِنْ عَفَوْتَ فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتَ، وَإِنْ عَاقَبْتَ فَبِأَصْغَرِ ذُنُوبِي تَقْتُلْنِي، قَالَ: فَسَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: هِيهْ، فَأَعَدْتُ مَقَالَتِي، قَالَ: فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَفَا عَنْكَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي امرؤ مِنْ وَرَاءِ بَابِكَ لا أَصِلُ إِلَيْكَ، وَضِيَاعِي وَدُورِي فهي مَقْبُوضَةٌ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَرُدَّهَا فَعَلَ، قَالَ: فَدَعَا بِالدَّوَاةِ، ثُمَّ أَمَرَ خَادِمًا فَكَتَبَ بِإِمْلائِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيُّوبَ النُّمَيْرِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْبَصْرَةِ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَضِيَ عَنْ قَطَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ضِيَاعَهُ وَدُورَهُ وَجَمِيعَ مَا قُبِضَ لَهُ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَأَنْفِذْهُ لَهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى، قَالَ: ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، فَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي لا أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ؟، فَإِذَا الْحَرَسُ بِالْبَابِ، فَجَلَسْتُ جَانِبَ أَحَدِهِمْ أُحَدِّثُهُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ علينا الرَّبِيعُ، فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ آنِفًا؟ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: انْطَلِقْ أَيُّهَا الرَّجُلُ، وَاللَّهِ سَلِمْتَ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَعَشَّانِي وَأَفْرَشَنِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ وَدَّعْتُهُ، وأَتَيْتُ إلى غِلْمَانِي فأَرْسَلْتُهُمْ يَكْتَرُونَ لِي سفينة، فَوَجَدُوا صَدِيقًا لِي مِنَ الدَّهَاقِينَ، مِنْ أَهْلِ مَيْسَانَ قَدِ اكْتَرَى سَفِينَةً لِنَفْسِهِ، فَحَمَلَنِي مَعَهُ، فَقَدِمْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيُّوبَ بِكِتَابِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَأَقْعَدَنِي عِنْدَهُ، فَلَمْ أَقُمْ حَتَّى رَدَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا اسْتُصْفِيَ لِي
الصفحة 486
624