كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

112 - حَدَّثَنا عبد الله بن عيسى الطفاوي سنة أربع وعشرين ومئتين، حَدَّثَنا عبيد الله بن شميط، عن أبيه شميط, أنه سمع أسلم العجلي يقول: حدثني أبو الضحاك الجرمي, عن هرم بن حيان العبدي, قال: قدمت الكوفة, فلم يكن لي هم إلا أويس القرني أطلبه وأسال عنه، حتى سقطت عليه جالسا وحده على شاطىء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت الذي نعت لي, فإذا رجل لحيم، أدم شديد الأدمة، أشعر محلوق الرأس، كث اللحية، عليه إزار من صوف, ورداء من صوف، بغير حذاء، كريم الوجه، مهيب المنظر جدا، فسلمت عليه, فرد علي ونظر إلي، فقال: حياك الله من رجل, ومددت يدي إليه لأصافحه, فأبى أن يصافحني، فقال: وأنت فحياك الله, فقلت: رحمك الله يا أويس وغفر لك, كيف أنت يرحمك الله؟ ثم خنقتني العبرة من حبي إياه، ورقتي له إذا رأيت من حاله ما رأيت, حتى بكيت وبكى، ثم قال: وأنت يرحمك الله يا هرم بن حيان, كيف أنت يا أخي من دلك علي؟ قال: قلت: الله, قال: لا إله إلا الله, {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً }, فعجبت منه حين عرفني وسماني، ولا والله ما رأيته قط ولا رآي، قلت: من أين عرفتني وعرفت اسم أبي؟ والله ما رأيتك قط قبل اليوم, قال: { نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضا، ويتحابون بروح الله عز وجل وإن لم يلتقوا ويتعارفوا ويتكلموا، وإن نأت بهم الديار، وتفرقت بهم المنازل, قلت: حدثني عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث معه عنك, قال: إني لم أدرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم تكن لي صحبة، ولكن قد رأيت رجالا قد رأوه، وقد بلغني من حديثه كبعض ما بلغكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي، لا

الصفحة 54