كتاب القبور لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

151 - حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثني عمر بن عثمان التيمي, قال: سمع أبي أبياتاً من عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب فقال له: اكتبها لابن أخيك قال: فكتبها لي عبيد الله ولقيني بها أبياتا لعدي بن زيد:
أمم قبلنا خلت وقرون ... قوم موسى منهم بنوا إسرائيل
نقبوا في البلاد ومن حذر الموت ... وجالوا في الأرض كل مجال
ثم صاروا إلى التي خلقوا منها ... فأضحوا من التراب الهال
هل تراها يبقى عليهم مسح ... فائح فاه الصبا والشمال
152 - حدثني المفضل بن غسان قال: مر رجل بقبر محفور فقال: نعم مقيل المؤمن هذا.
153 - حدثني القاسم بن هاشم أبو محمد, حدثنا الحكم بن نافع, حدثنا صفوان بن عمرو, عن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي, أن ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم قد احتفروا قبورهم فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور فكسوها وصلوا عندها ورعوا البقل كما ترعى البهائم وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم فقال: أجب الملك ذا القرنين فقال: ما لي إليه حاجة فأقبل إليه ذو القرنين فقال إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت فها أناذا قد جئتك قال: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك فقال له ذو القرنين: ما لي أراكم على الحال التي رأيت لم أر أحدا من الأمم عليها فقالوا: وما ذاك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمعتم بها؟ فقالوا إنما كرهناها لأن أحدكم لا يعطي منها شيء إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منه فقال: فما بالكم قد حفرتم قبورا فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها قالوا: أردنا إذا نظرنا إليها وأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل.
قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من نبات الأرض أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها واستمتعتم بها فقالوا: كرهنا أن نجعل بطوننا قبورا لشيء من خلق ربنا عز وجل, ورأينا أن في نبات الأرض بلاغا وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام, وإن ما جاوز الحد منه لم نجد له طعما كائنًا ما كان من الطعام ثم بسط ملك تلك الأمة يده خلف ذي القرنين فتناول جمجمة وقال: يا ذا القرنين أتدري من هذا؟ قال: لا ومن هو؟ قال: هذا ملك من ملوك الأرض أعطاه الله عز وجل سلطانا على أهل الأرض فغشم وظلم وعتى فلما رأى الله ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجيء به في آخرته ثم تناول جمجمة أخرى بالية فقال: يا ذا القرنين أتدري من هذا؟ قال: لا, ومن هو؟ فقال: هذا ملك ملكه الله بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والتجبر فتواضع وخشع لله عز وجل, وعمل بالعدل في أهل مملكته فصار كما قد ترى قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجزيه في آخرته ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين فقال: وهذه الجمجمة كأن قد كانت كهاتين فانظر يا ذا القرنين ما أنت صانع فقال ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك أخا أو وزيرا أو شريكا فيما آتاني الله عز وجل من هذا الملك فقال له: ما أصلح أنا وأنت في مكان ولا أن نكون جميعا فقال له ذو القرنين: ولما؟ فقال من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق قال: وعم ذلك؟ قال: يعادونك لما في يديك من الملك والمال والدنيا ولا أجد أحداً يعاديني لرفضي ذلك ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء فانصرف عنه ذو القرنين.

الصفحة 553