كتاب القبور لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

180 - حدثني محمد بن الحسين قال: قال أبو إسحاق: شهدت جنازة رجل من إخواني منذ خمسين سنة فلما دفن وسوي عليه التراب وتفرق الناس جلست إلى تلك بعض القبور فتفكرت فيما كانوا فيه من الدنيا وانقطاع ذلك كله عنهم فأنشأت أقول:
سلام على أهل القبور الدوارس ... كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة ... ولم يأكلوا من رطب ويابس
قال: فغلبتني والله عيناي فقمت وأنا محزون.
181 - حدثني محمد, حدثني داود بن مهران, حدثني شعيب بن أبي حمزة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض مدائن الشام أما بعد فكم للتراب في جسد ابن آدم من مأكل وكم للدود في جوفه من طريق مخترق وإني أحذركم ونفسي أيها الناس العرض.
182 - حدثني محمد, حدثني محمد بن حرب المكي قال: قدم علينا أبو عبد الرحمن العمري العابد واجتمعنا إليه وأتاه وجوه أهل مكة قال: فرفع رأسه فلما نظر إلى القصور المحدقة بالكعبة نادى بأعلى صوته: يا أصحاب القصور المشيدة اذكروا ظلمة القبور الموحشة يا أهل التنعم والتلذذ اذكروا الدود والصديد وبلى الأجسام في التراب قال: ثم غلبته عيناه فقام.
183 - أنشدني أحمد بن يحيى قوله:
استعدي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد نبئت أنه ليس للحي ... خلود ولا من الموت بد
أنت تسهين والحوادث لا ... تسهوا وتلهين والمنايا تجد
إنما أنت مستعارة ما سوف ... تردين والعواري ترد
لا ترجي البقاء في معدن الموت ... ودار حتوفها لك ورد
أي ملك في الأرض أو أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد
كيف يهينئ أمرؤ ولذاذة ... أيام عليه الأنفاس فيها تعد

الصفحة 562