كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
116 - حدثنا محمد بن يزيد أبو جعفر الأدمي، حَدَّثَنا أبو ضمرة، عن هشام بن عروة, قال:
لما اتخذ عروة قصره بالعقيق, قال له الناس: جفوت مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم, أظنه قال: ظاهرة، وكان فيما هنالك عما هم فيه في عافية.
117 - حدثنا محمد بن عباد العكلي، حَدَّثَنا سفيان, قال: قيل لعبد الله بن عروة: ما يمنعك أن تنزل المدينة؟ قال: إن الناس بها اليوم بين حاسد لنعمة، وفارح بنكبة.
118 - حدَّثني محمد بن يحيى بن أبي حاتم، حدثني جعفر بن النعمان الرازي, قال: قال إبراهيم بن أدهم ذات يوم: يا أهل الشام تعجبون مني؟ وإنما العجب من الرجل الإسكندراني, فإني طلبته في جبال الإسكندرية حتى وقعت عليه بعد ثمانية أيام وهو يصلي كأنه مدهوش، ثم حانت منه التفاتة إلي, فقال لي: من أنت؟ قلت: أعرابي, قال: هل عندك شيء تحدثنا به؟ قال: فحدثته بخمسة أحرف, فغشي عليه وأنا أنظر إليه، ثم أفاق، فقال: خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا, فطلبته بعد ذلك, فلم أقدر عليه.
119 - حدَّثني محمد بن الحسين، حدثني عمار بن عثمان، عن معن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن زيد, قال: لم أر مثل قوم رأيتهم, هجمنا مرة على نفر من العباد في بعض سواحل البحر، فتفرقوا حين رأونا، فبتنا تلك الليلة وأرفينا في تلك الجزيرة, فما كنت أسمع عامة الليل إلا الصراخ والتعوذ من النار، فلما أصبحنا طلبناهم، واتبعنا آثارهم, فلم نر منهم أحدا.
120 - حدَّثني محمد، حدثني عمار بن عثمان الحلبي، حدثني حصين بن القاسم الوراق, قال: سمعت عبد الواحد بن زيد يقول: خرجت إلى الشام في طلب العباد, فجعلت أجد الرجل بعد الرجل شديد الاجتهاد, حتى قال لي رجل: قد كان ها هنا رجل من أهل النحو الذي تريد، ولكنا فقدنا من عقله, فلا ندري يريد أن يحتجب من الناس بذلك، أم هو شيء أصابه؟ قلت: وما أنكرتم منه؟ قال: إذا كلمه أحدنا, قال: الوليد وعاتكة, لا يزيد عليه, قال: قلت: فكيف لي به؟ قال: هذه مدرجته فانتظرته, فإذا برجل واله كريه الوجه، كريه المنظر، وافر الشعر، متغير اللون, وإذا الصبيان حوله وخلفه، وهو ساكت يمشي وهم خلفه سكوت يمشون، عليه أطمار له دنسة, قال: فتقدمت إليه، فسلمت عليه فالتفت إلي، فرد علي السلام, فقلت: رحمك الله! إني أريد أن أكلمك, فقال: الوليد وعاتكة قلت: قد أخبرت بقصتك, فقال: الوليد وعاتكة! قلت: أخبرت بقصتك, قال: الوليد وعاتكة قلت: أخبرت بقصتك, قال: الوليد وعاتكة, ثم مضى حتى دخل المسجد، ورجع الصبيان الذين كانوا معه يتبعونه, قال: فاعتزل إلى سارية فركع، فأطال الركوع، ثم سجد، فدنوت منه، فقلت: رحمك الله! رجل غريب يريد أن يكلمك ويسألك عن شيء, فإن شئت فأطل، وإن شئت فأقصر، فلست ببارح حتى تكلمني, قال وهو في سجوده يدعو ويتضرع, قال: ففهمت عنه وهو يقول وهو ساجد: سترك سترك, قال: فأطال السجود حتى سئمت، قال: فدنوت منه فلم أسمع له نفسا ولا حركة، قال: فحركته, فإذا هو ميت، كأنه قد مات من دهر طويل, قال: فخرجت إلى صاحبي الذي دلني عليه، فقلت: تعال فانظر إلى الذي زعمت أنك أنكرت من عقله, قال: فقصصت عليه قصته، قال: فهيأناه ودفناه.
الصفحة 57
624