كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

126 - حدَّثني محمد بن الحسين، حدثني أحمد بن سهل الأردني، حدثني عباد أبو عتبة الخواص, قال: حدثني رجل من الزهاد ممن يسيح في الجبال, قال: لم تكن لي همة في شيء من الدنيا ولا لذة إلا في لقياهم ,يعني: الأبدال والزهاد, قال: فبينا أنا ذات يوم على ساحل من سواحل البحر ليس يسكنه الناس، ولا ترفأ إليه السفن, إذا أنا برجل قد خرج من تلك الجبال، فلما رآني هرب وجعل يسعى، واتبعته أسعى خلفه، فسقط على وجهه وأدركته، فقلت: ممن تهرب رحمك الله؟ فلم يكلمني، فقلت: إني أريد الخير, فعلمني, قال: عليك بلزوم الحق حيث كنت, فوالله ما أنا بحامد لنفسي فأدعوك إلى مثل عملها, ثم صاح صيحة فسقط ميتا، فمكثت لا أدري كيف أصنع به, قال: وهجم الليل علينا، فتنحيت ونمت ناحية عنه, فأريت في منامي أربعة نفر هبطوا عليه من السماء على خيل لهم, فحفروا له، وكفنوه، وصلوا عليه، ثم دفنوه، فاستيقظت فزعا للذي رأيت، فذهبت عني وسنة النوم بقية الليل، فلما أصبحت انطلقت إلى موضعه, فلم أره فيه، فلم أزل أطلب أثره وأنظر, حتى رأيت قبرا جديدا ظننت أنه القبر الذي رأيت في منامي.
127 - حَدَّثَنا محمد، حَدَّثَنا زكريا بن عدي, قال: سمعت عابدا باليمن يقول: سرور المؤمن ولذته في الخلوة ومناجاته سيده.
128 - حدَّثني محمد، حَدَّثَنا حسين بن علي الجعفي، حَدَّثَنا مالك بن مغول, قال: مر رجل بربيع بن أبي راشد وهو جالس على صندوق من صناديق الحذائين، فقال له رجل: لو دخلت المسجد فجالست إخوانك! قال لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة, لخشيت أن يفسد علي قلبي.
129 - حَدَّثَنا محمد بن يزيد الأدمي أبو جعفر، حَدَّثَنا سفيان بن عيينة، عن خلف بن حوشب, قال: كنت مع ابن أبي راشد في جبانة, فقرأ رجل: {(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ}, الآية, فقال ربيع بن أبي راشد: حال ذكر الموت بيني وبين كثير مما أريد من التجارة، ولو فارق ذكر الموت قلبي ساعة, لخشيت أن يفسد علي قلبي، ولولا أن أخالف من كان قبلي, لكانت الجبانة مسكني حتى أموت.

الصفحة 60