كتاب قرى الضيف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

24 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُظَفَّرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَنَّ دُلَيْمًا كَانَ يُهْدِي إِلَى مَنَاةَ، يَعْنِي صَنَمًا، كُلَّ عَامٍ عَشْرَ بَدَنَاتٍ, ثُمَّ كَانَ عُبَادَةُ يُهْدِيهَا، ثُمَّ كَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَلَمَّا كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ فِي الإِسْلاَمِ قَالَ: لَأُهْدِيَنَّهَا إِلَى الْكَعْبَةِ, فَكَانَ يُهْدِيهَا.
25 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِحَاتِمٍ: هَلِ فِي الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنْكَ؟ قَالَ: كُلُّ الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنِّي، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى غُلاَمٍ مِنَ الْعَرَبِ يَتِيمٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ مِئَةٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَذَبَحَ لِي مِنْهَا شَاةً، وَأَتَانِي بِهَا, فَلَمَّا قَرَّبَ إِلَيَّ دِمَاغَهَا، قُلْتُ: مَا أَطْيَبَ هَذَا الدِّمَاغَ، قَالَ: فَذَهَبَ, فَلَمْ يَزَلْ يَأْتِينِي مِنْهُ، حَتَّى قُلْتُ: قَدِ اكْتَفَيْتُ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا, فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَبَحَ الْمِئَةَ شَاةٍ، وَأَبْقَى لاَ شَيْءَ لَهُ، قَالَ الرَّجُلُ: فَقُلْتُ لَهُ: مَا صَنَعْتَ بِهِ؟ قَالَ: وَمَتَى أَبْلُغُ شُكْرَهُ وَلَوْ صَنَعْتُ بِهِ كُلَّ شَيْءٍ؟ قَالَ: عَلَى ذَاكَ، قَالَ: أَعْطَيْتُهُ مِئَةَ نَاقَةٍ مِنْ خِيَارِ إِبِلِي.
26 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ, أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَجُلاً ضَلَّ, فَعَوَى لِتَنْبَحَهُ الْكِلاَبُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُضَيِّفُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الضِّيَافَةِ، فَنَبَحَهُ كَلْبٌ، فَقَصَدَ نَحْوَهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْكَلْبِ، فَخَرَجَ الْكَلْبُ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ, حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بِهِ مَوْلاَهُ، فَإِذَا شَيْخٌ بِفِنَائِهِ، يَنْتَظِرُ مَا يَجِيءُ بِهِ الْكَلْبُ، فَلَمَّا رَآهُ, رَحَّبَ بِهِ، وَأَوْقَدَ نَارًا, وَذَبَحَ لَهُ، فَأَكَلَ, ثُمَّ حَلَبَ لَهُ فَشَرِبَ, فَلَمَّا شَبِعَ وَرَوِيَ وَدَّ فِي مَنَامٍ, فَعَمَدَ إِلَى كِسَاءٍ لَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، وَقَعَدَ الشَّيْخُ يُوقِدُ، فَخَرَجَتِ ابْنَةٌ لِلشَّيْخِ كَالشَّمْسِ, فَرَفَعَ الضَّيْفُ رَأْسَهُ فَرَآهَا, فَقَالَ الشَّيْخُ: نَمْ، قَالَ: النَّوْمُ لاَ يَأْخُذُنِي مَا دُمْتَ قَاعِدًا, فَقَامَ الشَّيْخُ, وَأَطْفَأَ النَّارَ، فَلَمَّا غَطَّ، قَامَ الضَّيْفُ إِلَى الْجَارِيَةِ, فَأَخَذَ بِقَدَمِهَا، قَالَتْ: يَا أَبَتِ، قَالَ: لَبَّيْكِ، فَقَامَ, فَرَأَى الْكَلْبَ رَابِضًا, وَالْبُهْمَ عَلَى حَالِهَا، وَقَالَتِ: الْكَلْبُ، وَرَجَعَ الضَّيْفُ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَدَخَلَ الشَّيْخُ وَقَالَ: نَامِي لاَ بَأْسَ عَلَيْكِ، فَنَامَتْ وَعَاوَدَ الشَّيْخُ النَّوْمَ, فَقَالَ الضَّيْفُ: فَزِعَتْ، وَلَوْ عَلِمَتْ لَمْ تَصِحْ، فَعَادَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِقَدَمِهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ، قَالَ: لَبَّيْكِ، قَالَتِ: الْبُهْمُ، فَصَنَعَ مِثْلَ صُنْعِهِ الأَوَّلِ، وَصَنَعَ الضَّيْفُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الضَّيْفُ فِي نَفْسِهِ: فَزِعَتْ, وَأَنَا وَاللَّهِ مِوَاقِعُهَا عَلَى مَا خُيِّلَتْ، فَقَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِقَدَمِهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ، قَالَ: لَبَّيْكِ، مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتِ: الضَّيْفُ، فَقَعَدَ الشَّيْخُ، وَرَجَعَ الضَّيْفُ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَنَكَّسَ الشَّيْخُ طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، أَمَا تَحْمَدِينَ رَبَّكِ إِذَا بَاتَ ضَيْفُكِ شَبْعَانَ رَيَّانَ دَفْآنَ, لاَ هِمَّةَ لَهُ إِلاَّ لِلْبَاهِ, فَبَاتَ يَحْرُسُهَا حَتَّى أَصْبَحَ, فَفَارَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ.

الصفحة 605