كتاب قرى الضيف لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

35 - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا دُرُسْتُ الْقَزَّازُ، قَالَ: كَانَ أَبُو قُفَاصٍ الْيَحْمَدِيُّ يَجْلِسُ بِفِنَاءِ دَارِهِ, وَيَنْصِبُ مَائِدَتَهُ، فَلاَ يَجُوزُ أَحَدٌ إِلاَّ أَجْلَسَهُ مَعَهُ.
36 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ يَقُولُ: مَا سَادَ مِنَّا إِلاَّ سَخِيٌّ عَلَى الطَّعَامِ.
37 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ نُوحٍ, مَوْلًى لِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا الْقَسْرِيَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنِّي لَأُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ سِتَّةَ وَثَلاَثِينَ أَلْفًا مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ تَمْرٍ وَسَوِيقٍ.
38 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ، عَنْ مِلْحَانِ بْنِ عَرَكِيِّ بْنِ حَلْبَسٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَ أَخَا عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لِأُمِّهِ, قَالَ: قِيلَ لِلنَّوَارِ امْرَأَةِ حَاتِمٍ: حَدِّثِينَا عَنْ حَاتِمٍ، قَالَتْ: كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا، أَصَابَتْنَا سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَاقْشَعَرَّتْ لَهَا الأَرْضُ, وَاغْبَرَّتْ لَهَا السَّمَاءُ, وَخَنَتِ الْمَرَاضِعُ عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَرَاحَتِ الإِبِلُ جَدْبَاءَ حَدَابِيرَ, مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ، وَجَلَفَ الْمَالُ, فَإِنَّا فِي لَيْلَةِ صَنْبَرَةٍ، بَعِيدَةٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ, إِذْ تَضَاغَىَ الأَصْبِيَةُ بِي مِنَ الْجُوعِ، عَبْدُ اللهِ, وَعَدِيُّ, وَسُفَانَةُ، فَوَاللَّهِ إِنْ وَجَدْنَا شَيْئًا نُعَلِّلُهُمْ بِهِ، فَقَامَ إِلَى أَحَدِ الصَّبِيَّيْنِ, فَحَمَلَهُ، وَقُمْتُ إِلَى الصِّبْيَةِ, فَعَلَّلْتُهَا، فَوَاللَّهِ إِنْ سَكَتَا إِلاَّ بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ عُدْنَا إِلَى الصَّبِيِّ الآخَرِ, فَعَلَّلْنَاهُ حَتَّى سَكَتَ وَمَا كَادَ، ثُمَّ افْتَرَشْنَا قَطِيفَةً لَنَا شَامِيَّةً ذَاتَ خَمْلٍ، فَأَضْجَعْنَا الصِّبْيَانَ عَلَيْهَا، وَنِمْتُ أَنَا وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ، وَالصِّبْيَانُ بَيْنَنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ يُعَلِّلُنِي لأَنَامَ، وَعَرَفْتُ مَا يُرِيدُ، فَتَنَاوَمْتُ لَهُ، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ أَنِمْتِ؟ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: مَا أُرَاهَا إِلاَّ قَدْ نَامَتْ، وَمَا بِي مِنْ نَوْمٍ, فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ، وَتَهَوَّرَتِ النُّجُومُ, وَهَدَأَتِ الأَصْوَاتُ, وَسَكَنَتِ الرِّجْلُ، إِذْ جَانِبُ الْبَيْتِ قَدْ رُفِعَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَوَلَّى, حَتَّى إِذَا قُلْتُ: قَدْ أَسْحَرْنَا, أَوْ كِدْنَا, عَادَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: جَارَتُكَ فُلاَنَةُ يَا أَبَا عَدِيٍّ، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى أَحَدٍ مِعْوَلاً غَيْرَكَ، أَتَيْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَصْبِيَةٍ يَتَعَاوَوْنَ عُوَاءَ الذَّئْبِ مِنَ الْجُوعِ، قَالَ: أَعْجِلِيهِمْ عَلَيَّ، قَالَتِ النَّوَارُ: فَوَثَبْتُ, فَقُلْتُ: مَاذَا صَنَعْتَ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَضَاغَا أَصْبِيَتُكَ, فَمَا وَجَدْتَ مَا تُعَلِّلُهُمْ بِهِ، فَكَيْفَ بِهَذِهِ وَبِوَلَدِهَا؟ فَقَالَ: اسْكُتِي، فَوَاللَّهِ لَأُشْبِعَنَّكِ وَإِيَّاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ, فَأَقْبَلَتْ تَحْمِلُ اثْنَيْنِ, وَيَمْشِي جَنْبَتَيْهَا أَرْبَعَةٌ, كَأَنَّمَا نَعَامَةٌ حَوْلَهَا رِئَالُهَا، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ, فَوَجَأَ بِحَرْبَتِهِ فِي لَبَّتِهِ، ثُمَّ قَدَحَ زَنْدَهُ, وَأَوْرَى نَارَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِمُدْيَةٍ, فَكَشَطَ عَنْ جِلْدِهِ, ثُمَّ دَفَعَ الْمُدْيَةَ إِلَى الْمَرْأَةِ، فَقَالَ: دُونَكِ، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: ابْعَثِي صِبْيَانَكِ، فَبَعَثَتْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: سُوءَةٌ، تَأْكُلُونَ شَيْئًا دُونَ أَهْلِ الصِّرْمِ، فَجَعَلَ يَطُوفُ فِيهِمْ حَتَّى هَبُّوا، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ, وَالْتَفَعَ بَيْتُهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ نَاحِيَةً يَنْظُرُ إِلَيْنَا، لاَ وَاللَّهِ مَا ذَاقَ مُزْعَةً, وَإِنَّهُ لَأَحْوَجُهُمْ إِلَيْهِ، وَأَصْبَحْنَا وَمَا عَلَى الأَرْضِ مِنْهُ، إِلاَّ عَظْمٌ أَوْ حَافِرٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الصِّرْمُ الأَبْيَاتُ الْعَشْرُ, أَوْ نَحْوُهَا يَنْزِلُونَ فِي جَانِبٍ.

الصفحة 609