كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

136 - قال محمد بن الحسين: حدثني أحمد بن سهل، حدثني أبو فروة السائح, وكان والله من العاملين لله بمحبته, قال: بينا أنا أطوف في بعض الجبال, إذ سمعت صدى صوت فقلت: إن ها هنا لأمر، فاتبعت الصوت, فإذا أنا بهاتف يهتف: يا من آنسني بذكره، وأوحشني من خلقه، وكان لي عند مسرتي أرحم اليوم عبرتي، وهب لي من معرفتك ما أزداد به تقربا إليك، يا عظيم الصنيعة إلى أوليائه, اجعلني اليوم من أوليائك المتقين, قال: ثم سمعت صرخة فلم أر أحدا، فأقبلت نحوها, فإذا أنا بشيخ ساقط مغشيا عليه، قد بدا بعض جسده, فغطيت عليه، ثم لم أزل عنده حتى أفاق، فقال: من أنت رحمك الله؟ قلت: رجل من بني آدم, قال: إليكم عني, فمنكم هربت, قال: ثم بكى، وقام، فانطلق وتركني, فقلت: رحمك الله, دلني على الطريق, فأومأ بيده إلى السماء، فقال: ها هنا.
137 - حدثت عن إبراهيم بن بشار، عن ابن عيينة, قال: كان عمر بن محمد بن المنكدر قد اعتزل الناس, فنزل بذي طوى، فقال لغلامه ذات يوم: يا غلام افتح افتح، يا لها من ليلة لم أكلم فيها أحدا ولم يكلمني.
138 - حَدَّثَنا هارون بن عبد الله، عن سعيد بن عامر، عن عون بن معمر, قال: قال معاذ بن جبل: لتسعكم بيوتكم، ولا يضركم ألا يعرفكم أحد، وسابقوا الناس إلى الله عز وجل.
139 - قال محمد بن الحسين، حدثني حكيم بن جعفر، حدثني عبد الله بن أبي نوح, قال: لقيت رجلا من العباد في بعض الجزائر منفردا, فقلت: يا أخي ما تصنع ها هنا وحدك, أما تستوحش؟ قال: الوحشة في غير هذا الموضع أعم, قلت: منذ كم أنت هاهنا؟ قال: منذ ثلاثين سنة, قلت: من أين المطعم؟ قال: من عند المنعم, قلت: فها هنا في القرب منك شيء تعول عليه إذا احتجت إليه من المطعم رجعت إليه؟ قال: ما أكربك بما قد كفيته وضمن لك, قلت: أخبرني بأمرك, قال: ما لي أمر غير ما ترى, غير أني أظل في هذا الليل والنهار متكلا على كرم من لا تأخذه سنة ولا نوم, قال: ثم صاح صيحة أفزعني, فوثبت، وسقط مغشيا عليه, فتركته على تلك الحال، ومضيت.

الصفحة 62