كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

184 - أنشدني أبو بكر العنبري:
ليت السباع لنا كانت مجاورة ... وإننا لا نرى ممن نرى أحدا
إن السباع لتهدأ في مواطنها ... والناس ليس بهاد شرهم أبدا
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تلفى السعيد إذا ما كنت منفردا
185 - وأنشدني أبو عبد الله التيمي بعض هذا الشعر لحنتم بن جحشة العجلي, وكان عابدا:
وأنبئكم ليت لي بقراء ... دهري مثل من قد مضى من الفتيان
من رجال كانت لهم أخلاق ... وحفاظ في نائب الحدثان
طرح للخناء إذ سمعوه ... قطف عن مظالم الجيران
ينصفون الذليل إذ نازعوه ... ويجلون شيبة الإنسان
ليت لي بالكثير من دهرنا اليوم ... قليلا من أهل ذاك الزمان
186 - حدَّثني الفضل بن سهل، حَدَّثَنا أبو عاصم، عن أشعث، عن الحسن، عن أنس, قال: لما أن كان من أمر الناس ما كان, قال أبو موسى: لوددت أني وأهلي أو من يبايعني من أهل هذين المصرين لنا ما يغنينا حتى يدفن آخرنا أولنا.
187 - حَدَّثَنا علي بن الحسن، عن موسى بن داود, قال: لقيت بكرا العابد منذ نحو ثلاثين سنة، فقلت له: لم أرك من أيام, فقال: أي أخي ليس هذا زمان تلاقي، لم يبق من الدنيا إلا الهموم والأحزان, وتركني.
188 - حَدَّثَنا علي بن الحسن، عن ثابت بن محمد العابد, قال: سمعت سلمة العابد يقول: لولا الجماعة, يعني: الصلاة في الجميع, ما خرجت من بابي أبدا حتى أموت، وسمعته يقول: ما وجد المطيعون لله عز وجل لذة في الدنيا أحلى من الخلوة بمناجاة سيدهم، ولا أحب لهم في الآخرة من عظيم الثواب أكثر في صدورهم, وألذ في قلوبهم من النظر إليه, قال: ثم غشي عليه, وكان سلمة يفطر في كل ليلة من السحر إلى السحر، ويتوضأ وضوءه للصلاة في ذلك الوقت قبل الفجر إلى مثلها.

الصفحة 72