كتاب العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

وقليل ذلك كثير، ومخرجه من الصدق, ويهيج من حب الخلوة: التيقظ من غفلة أهل الدنيا، وفقد أخبار ما يذكر منها في الخاص والعام, ويورث حب الخلوة: قلة الرياء، والتزين للمخلوقين، وذلك من دواعي الإخلاص، وهو محض الصدق, ويورث حب الخلوة: ترك الخصومة والجدال، وهما ينفيان طلب الرئاسة، ويسلمان إلى الصدق, ويهيج من حب الخلوة: إماتة الطمع ودواعيه من الحرص والرغبة في الدنيا، وفيه قوة للعمل, ويورث حب الخلوة: قلة الغضب، والقوة على كظم الغيظ، وترك الحقد والشحناء، والعمل بسلامة الصدر, ويهيج من حب الخلوة: رقة القلوب والرحمة، وهما ينفيان الغلظة والقسوة, ويهيج من حب الخلوة: تذكر النعم، وطلب الإلهام لتشكر، والزيادة من الطاعة, ويهيج من حب الخلوة: وجود حلاوة العمل، والنشاط في الدعاء بحزن من القلب وتضرع واستكانة, ويهيج من حب الحلوة: القنوع، والتوكل، والرضى بالكفاف، والاستغناء بالعفاف عن الناس, ويهيج من حب الخلوة: عزوف النفس عن الدنيا، والشوق إلى لقاء الله عز وجل، وذلك من طريق حسن الظن بالله، وخوف النقص في الدين, ويهيج من حب الخلوة: حياة القلب، وضياء نوره، ونفاذ بصره بعيوب الدنيا، ومعرفته بالنقص والزيادة في دينه, ويهيج من حب الخلوة: الإنصاف للناس، والإقرار بالحق، وإذلال النفس بالتواضع، وترك العدوان, ويهيج من حب الخلوة: خوف ورود الفتن التي فيها ذهاب الدين، والشوق إلى الموت خوفا من أن يسلب الإسلام, ويهيج من حب الخلوة: الوحشة من الناس، والاستثقال لكلامهم، والأنس بكلام رب العالمين, وهو القرآن الذي جعله الله نورا وشفاء للمؤمنين وحجة ووبالا على المنافقين, فاجعله مفزعك الذي إليه تلجأ، وحصنك الذي به تعتصم، وكهفك الذي إليه تأوي، ودليلك الذي به تهتدي، وشعارك ودثارك ومنهجك وسبيلك, وإذا التبست عليك الطرق، واشتبهت عليك الأمور، وصرت في حيرة من أمرك، وضاق بها صدرك, فارجع إلى عجب القرآن الذي لا حيرة فيه, فقف على دلائله من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتشويق، وإلى ما ندب الله إليه المؤمنين من الطاعة وترك المعصية, فإنك تخرج من حيرتك، وترجع عن جهالتك، وتأنس بعد وحدتك، وتقوى بعد ضعفك، فليكن دليلك دون المخلوقين, تفز مع الفائزين، ولا تهذه كهذ الشعر، وقف عند عجائبه، وما أشكل عليك, فرده إلى عالمه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
آخر الكتاب

الصفحة 79