كتاب العقل وفضله لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

89 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قِوَامُ الْمَرْءِ عَقْلُهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ, وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لأَخٍ لَهُ: يَا أَخِي عَقْلُكَ لاَ يَتَّسِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَفَرِّغْهُ لأوَّلِ الْمُهِمِّ مِنْ أَمْرِكَ، وَكَرَامَتُكَ لاَ تَسَعُ النَّاسَ فَخُصَّ بِهَا أَوْلَى النَّاسِ بِكَ، وَلَيْلُكَ وَنَهَارُكَ لاَ يَسْتَوْعِبَانِ حَوَائِجَكَ فَأَسْقِطْ عَنْكَ مَا لَكَ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَقْلِ أَنْ تَذم مَنْ لَمْ تُخْبَرْ شأنه, وَلاَ تَمْدَحْ مَنْ لَمْ تُخْبَرْ إِحْسَانُهُ.
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَا الْعَقْلُ؟، قَالَ: أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْفِكْرِ فِي الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ، وَالآخَرُ حُسْنُ التَّمْيِيزِ, وَكَثْرَةُ الإِصَابَةِ.
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَا الْحُمْقُ؟، قَالَ: قِلَّةُ الإِصَابَةِ وَوَضْعُ الْكَلاَمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ, وَكُلَّمَا مُدِحَ بِهِ الْعَاقِلُ كَانَ مَفْقُودًا فِي الأَحْمَقِ.
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَوْصِنَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ، قَالَ: احْفَظُوا وَعُوا: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَمَعَهُ قَاضِيَانِ بَاطِنَانِ، أَحَدُهُمَا نَاصِحٌ وَالآخَرُ غَاشٌّ، فَأَمَّا النَّاصِحُ فَالْعَقْلُ، وَأَمَّا الْغَاشِّ فَالْهَوَى وَهُمَا ضِدَّانِ، فَأَيُّهُمَا مِلْتَ مَعَهُ وَهِيَ الآخَرُ.
90 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: كَلَّمَ رَجُلٌ رَجُلاً مِنَ الْمُلُوكِ فَلاَيَنَهُ ثُمَّ أَغْلَظَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا لَكَ لَمْ تُكَلِّمْنِي بِهَذَا أَوَّلاً؟ قَالَ: لَمَّا كَلَّمْتُكَ رَأَيْتُ لَكَ عَقْلاً فَعَلِمْتُ أَنَّ عَقْلَكَ لاَ يَتْرُكُكَ تَظْلِمُنِي.

الصفحة 99