كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 5)

وقال أبو حنيفة (¬1): وكثير [من أهل العلم] (¬2) أن القصر واجب، ولا يجوز الإتمام، ويحتجون بهذا الحديث، وبأن أكثر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كان القصر.
واحتج الشافعي (¬3) وموافقوه بالأحاديث المشهورة في "صحيح مسلم" (¬4) وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم القاصر ومنهم [323ب] المتم، ومنهم المفطر ومنهم الصائم لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان منهم وعائشة وغيرهما، وهو ظاهر قول الله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (¬5)، وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة.
وأما أحاديث: "فرضت الصلاة ركعتين"، فمعناه: فرضت لمن أراد الاقتصار عليها فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار.
وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع، انتهى. وقد كنت كتبت رسالة في جواز القصر (¬6) والإتمام واستوفيت فيها الكلام.
قوله: "وفي الخوف ركعة" أقول: قال أيضاً في "شرح مسلم" (¬7): هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم: الحسن البصري، والضحاك، وإسحاق بن راهويه.
¬__________
(¬1) "البناية في شرح الهداية" (3/ 40).
(¬2) زيادة من شرح "صحيح مسلم" (5/ 197).
(¬3) انظر: المجموع شرح المهذب (4/ 224).
(¬4) (5/ 194 - 195).
(¬5) سورة النساء الآية (101).
(¬6) وهي الرسالة رقم (78) من "عون القدير" من فتاوى ورسائل ابن الأمير - بتحقيقي. ط: ابن كثير - دمشق.
(¬7) (5/ 197).

الصفحة 26