كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 5)

على صحة أداء دين الآدميين بعد وقتها فقياس فاسد؛ لأن الوقت الوجوب في حقه ليس محدود الطرفين كوقت الصلاة, فلا يتصور فيه إخراج عن وقت محدود هو شرط لفعله، يعم أول الأوقات، [به] (¬1) الوقت الأول على الفور وتأخيره عنه لا يوجب كونه قضاء.
وأما استدلالكم بمن ترك الجمعة عمداً إلى آخر ما ذكرتم. فالجواب أن الواجب في هذا الوقت أحد الصلاتين، ولا بد إما الجمعة [وإما] (¬2) الظهر، فإذا ترك الجمعة فوقت الظهر قائم [336 ب] باقٍ وهو مخاطب بوظيفة الوقت، ولا سيما عند من يجعل الجمعة بدلاً من الظهر، فإنه إذا فاته البدل رجع إلى الأصل (¬3).
وأما صلاته - صلى الله عليه وسلم - العصر يوم الأحزاب بعد غروب الشمس، فالجواب أن للعلماء في ذلك قولين:
الأول: أنه منسوخ، وهو مذهب الجمهور وأحمد ومالك والشافعي، وأنه كان قبل نزول صلاة الخوف ثم نسخ بنزولها، فكان هذا التأخير الذي نسخ كان مأموراً به، فهو كتأخير المغرب ليلة جمع إلى المزدلفة، وما نسخ لا حكم له على أنه قد قيل: أنه - صلى الله عليه وسلم - أخرها نسياناً كما يفيده قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر وقد قال: ما كدت أُصلي العصر يا رسول الله حتى جانبت كفار قريش. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا والله ما صليت" (¬4)، فإن العبارة ترشد أنه كان ناسياً.
¬__________
(¬1) زيادة من (أ).
(¬2) في (أ): أو.
(¬3) انظر: "المحلى" (2/ 235 - 236).
(¬4) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أنّ عمرَ جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسبُّ كفار قريش، وقال: يا رسول الله! ما كدت أُصلِّي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما صلَّيتها"، فتوضأ وتوضأنا فصلَّى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب". [أخرجه البخاري رقم (596) ومسلم رقم (631) والنسائي (3/ 84 - 85)، والترمذي رقم (180)].

الصفحة 47