كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 5)

[و] (¬1) الثاني: إنه غير منسوخ، وإنه باقٍ حكمه في حق المقاتل، وأنَّ له تأخير الصلاة حال اشتغاله بالحرب والمسايفة، ويفعلها عند تمكنه منها وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وإذا عرفت هذا فعلى التقدير [لا يصح] (¬2) إلحاق التارك عمداً وتفريطاً بما ذكر. وكذلك تأخير بعض الصحابة العصر يوم بني قريظة كان تأخيراً مأموراً به عند طائفة كأهل الظاهر. أو تأخيراً سائغاً للتأويل عند آخرين، ولذا لم يعنف - صلى الله عليه وسلم - من صلاها في الطريق، ولا من أخرها إلى الليل حتى صلاها في بني قريظة؛ لأن هؤلاء تمسكوا بظاهر الأمر، والآخرين نظروا إلى المعنى، والكل مجتهدون قاصدون طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا قيل: إن الذين أخروا [337 ب] أسعد باتباع النص؛ لأن هذا التأخير كان واجباً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، فهو الطاعة في ذلك اليوم لله تعالى، والله يأمر بما يشاء، فأمره بالتأخير كأمره بالتقديم، فالذين أخروا فازوا بالأجرين الموعود بهما لمن اجتهد فأصاب [399/ أ] وإنما لم يعنف الآخرين لأجل التأويل، فإنهم قصدوا طاعة الله ورسوله، وهم أهل الأجر الواحد.
ومن عرف هذا كيف يقول: يلحق العامد المفرط العاصي لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - بهؤلاء فهذا في غاية الفساد.
قالوا (¬3): وأما قولكم: إن هذا تائب نادم فكيف تسد عليه طريق التوبة، وتجعل إثم التضييع لازماً له وطائراً في عنقه؟ فمعاذ الله أن نسد عليه باب التوبة الذي لا يغلق إلا عند طلوع الشمس من مغربها، وتقبل منه التوبة (¬4) ما لم يغرغر، وإنما الشأن كل الشأن في طريق توبته وتحقيقها هل يتعين لها القضاء؟ أم يستأنف العمل ويصير ما مضى لا له ولا عليه؟
¬__________
(¬1) زيادة من (أ).
(¬2) سقطت من (ب).
(¬3) انظر: "المحلى" (2/ 237 - 238).
(¬4) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

الصفحة 48