كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 5)

"آمنت بالله ورسله، ثم قال لابن صياد: ماذا ترى؟ قال: يأتيني صادق وكاذب "؛ أي: كانت له تارات يصيب في بعضها، ويخطئ في بعضها؛ لأن ذلك كان شيئًا يلقيه إليه الشيطان، ويجريه على لسانه؛ قد يكون صادقًا، وقد يكون كاذبًا.
"قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خلطَ عليك الأمر"؛ أي: هو شيطان خلَّط عليك الكذب بالصدق؛ ليغويك.
"قال - صلى الله عليه وسلم -: إني خبأتُ لك خبيئًا"؛ أي: أضمرت لك مضمرًا؛ لتخبرني عنه.
"وخبأ له "؛ أي: اضمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن صياد: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، فقال: هو الدُّخُّ" بضم الدال المهملة والخاء المعجمة المشددة: لغة في الدخان.
"فقال: اخسَأْ": كلمة زجر واستهانة؛ أي: ابعد واسكت صاغرًا، فإنك وإن أخبرت عن خبيئتي: "فلن تعدوَ قدرك"؛ أي: لن تستطيع أن تتجاوز الحد الذي حُدَّ لك، يريد: أن الكهانة لا ترفع صاحبها عن القدر الذي هو عليه، وإن أصاب في كهانته، وإنما امتحنه - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ ليظهر إبطال حاله للصحابة، وأنه كاهن ساحر، يأتيه الشيطانُ، فيلقي على لسانه.
وقيل: معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلن تعدو قدرك" أنه دعاء عليه بعدم بلوغه قدره من مطالعة الغيب؛ وحيًا كما للأنبياء، أو إلهامًا كما للأولياء.
"قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله! أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال عليه الصلاة والسلام: إن يكن هو": الضمير المستكن يعود إلى الدجَّال، والمنفصل إلى [ابن] صياد، ويجوز بالعكس، والضمير المنفصل خبر (كان).
قيل: كان حقه أن يقال: إن يكن إياه، فوضع المرفوع المنفصل موضع المنصوب المنفصل، وقيل: في (يكن) ضمير للشأن، وهو مبتدأ محذوف

الصفحة 595