" صفحة رقم 46 "
وحنين . وقيل : ذلك الوقت يلقون البشارة في قلبه ، ويصرفون وجوه الكفار عنه . والظاهر أن الضمير عليه عائد على أبي بكر ، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) كان ثابت الجأش ، ولذلك قال : لا تحزن إن الله معنا . وأنّ الضمير في وأيده عائد على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) كما جاء : ) لّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ ( يعني الرسول ، وتسبحوه : يعني الله تعالى . وقال ابن عطية : والسكينة عندي إنما هي ما ينزله الله على أنبيائه من الحياطة لهم ، والخصائص التي لا تصلح إلا لهم كقوله : ) فِيهِ سَكِينَةٌ مّن رَّبّكُمْ ( ويحتمل أن يكون قوله : فأنزل الله سكينته إلى آخر الآية يراد به ما صنعه الله لنبيه إلى وقت تبوك من الظهور والفتوح ، لا أن يكون هذا يختص بقصة الغار . وكلمة الذين كفروا هي الشرك ، وهي مقهورة . وكلمة الله : هي التوحيد ، وهي ظاهرة . هذا قول الأكثرين . وعن ابن عباس : كلمة الكافرين ما قرروا بينهم من الكيد به ليقتلوه ، وكلمة الله : أنه ناصره . وقيل : كلمة الله لا إله إلا الله ، وكلمة الكفارقولهم في الحرب : يا لبني فلان ، ويا لفلان . وقيل : كلمة الله قوله تعالى : ) لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى ( وكلمة الذين كفروا قولهم في الحرب : أعل هبل ، يعنون صنمهم الأكبر . وقرأ مجاهد وأيده والجمهور وأيده بتشديد الياء . وقرىء : وكلمة الله بالنصب أي : وجعل . وقراءة الجمهور بالرفع أثبت في الإخبار . وعن أنس رأيت في مصحف أبيّ : وجعل كلمته هي العلياء ، وناسب الوصف بالعزة الدالة على القهر والغلبة ، والحكمة الدالة على ما يصنع مع أنبيائه وأوليائه ، ومن عاداهم من إعزاز دينه وإخماد الكفر .
( انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( : لما توعد تعالى من لا ينفر مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وضرب له من الأمثال ما ضرب ، أتبعه بهذا الأمر الجزم . والمعنى : انفروا على الوصف الذي يحف عليكم فيه الجهاد ، أو على الوصف الذي يثقل . والخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ، ومن يمكنه بصعوة ب ، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا . وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقال : أعليّ أنْ أنفر ؟ قال : نعم ، حتى نزلت : ) لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى حَرَجٌ ( وذكر المفسرون من معاني الخفة والثقل أشياء لا على وجه التخصيص بعضها دون بعض ، وإنما يحمل ذلك على التمثيل لا على الحصر . قال الحسن وعكرمة ومجاهد : شباباً وشيوخاً . وقال أبو صالح : أغنياء وفقراء في اليسر والعسر . وقال الأوزاعي : ركباناً ومشاة . وقيل : عكسه . وقال زيد بن أسلم : عزباناً ومتزوجين . وقال جويبر : أصحاء ومرضى . وقال جماعة : خفافاً من السلاح أي مقلين فيه ، وثقالاً أي مستكثرين منه . وقال الحكم بن عيينة وزيد بن علي : خفافاً من الإشغال وثقالاً بها . وقال ابن عباس : خفافاً من العيال ، وثقالاً بهم . وحكى التبريزي : خفافاً من الأتباع والحاشية ، ثقالاً بهم . وقال علي بن عيسى : هو من خفة اليقين وثقله عند الكراهة . وحكى الماوردي : خفافاً إلى الطاعة ، وثقالاً عن المخالفة . وحكى صاحب الفتيان : خفافاً إلى المبارزة ، وثقالاً في المصابرة . وحكى أيضاً : خفافاً بالمسارعة والمبادرة ، وثقالاً بعد التروي والتفكر . وقال ابن زيد : وقال ابن زيد : ذوي صنعة وهو الثقيل ، وغير ذوي صنعة وهو الخفيف . وحكى النقاش : شجعاناً وجبناً . وقيل : مهازيل وسماتاً . وقيل : سباقاً إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش ، والثقال الجيش بأسره . وقال ابن عباس وقتادة : النشيط والكسلان . والجمهور على أن الأمر موقوف على فرض الكفاية ، ولم يقصد به فرض الأعيان . وقال الحسن وعكرمة : هو فرض على المؤمنين عنى به فرض الأعيان في تلك المدة ، ثم نسخ بقوله : ) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً ( وانتصب خفافاً وثقالاً على الحال . وذكر بأموالكم وأنفسكم إذ ذلك وصف لأكمل ما يكون من