كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 5)

" صفحة رقم 481 "
ويحتاج ذلك إلى نقله من كلام العرب متعدياً . قال الأزهري : تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار ، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي وما انصرفت عنه الشمس ، والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله .
وقال الشاعر : فلا الظل من برد الضحى تستطيعه
ولا الفيء من برد العشيّ تذوق
وقال امرؤ القيس : تيممت العين التي عند ضارج
يفيء عليها الظل عرمضها طام
وعن رؤبة ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل ما لم تكن عليه فهو ظل ، وذلك أنّ الشمس من طلوعها إلى وقت الزوال تنسخ الظل ، فإذا زالت رجع ، ولا يزال ينمو إلى أن تغيب . والمشهور أنّ الفيء لا يكون إلا بعد الزوال ، والاعتبار في هذه الآية من أول النهار إلى آخره . فمعنى تتفيؤ تتنقل وتميل ، وأضاف الظلال وهي جمع إلى ضمير مفرد ، لأنه ضمير ما ، وهو جمع من حيث المعنى لقوله : ) لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ ( وقال صاحب اللوامح : في قراءة عيسى ظلله ، وظله الغيم وهو جسم ، وبالكسر الفيء وهو عرض في العامة : فرأى عيسى أن التفيؤ الذي هو الرجوع بالأجسام أولى ، وأما في العامة فعلى الاستعارة انتهى .
قالوا في قوله : عن اليمين والشمائل ، بحثان . أحدهما : ما المراد بذلك . والثاني : ما الحكمة في إفراد اليمين وجمع الشمائل ؟ أما الأول فقالوا : يمين الفلك وهو المشرق . وشماله هو المغرب . وخص هذان الاسمان بهذين الجانبين لأن أقوى جانبي الإنسان يمينه ، ومنه تظهر الحركة الفلكية اليومية آخذة من المشرق إلى المغرب ، لا جرم كان المشرق يمين الفلك والمغرب شماله ، فعلى هذا تقول الشمس عند طلوعها إلى وقت انتهائها إلى وسط الفلك يقع الظلال إلى الجانب الغربي ، فإن انحدرت من وسط الفلك عن الجانب الغربي وقعت الظلال في الجانب الشرقي ، فهذا المراد من تفيؤ الظلال من اليمين إلى الشمال . وقيل : البلدة التي عرضها أقل من مقدار الميل تكون الشمس في الصيف عن يمين البلدة فتقع الظلال على يمينهم . وقال الزمخشري : المعنى أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ضلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها عن جانبي كل واحد منها وشقيه ، استعارة من يمين الإنسان وشماله بجانبي الشيء أي : ترجع الظلال من جانب إلى جانب انتهى . وقال ابن عطية : والمقصود العبرة في هذه الآية ، هو كل جرم له ظل كالجبال والشجر وغير ذلك ، والذي يترتب فيه أيمان وشمائل إنما هو البشر فقط ، لكن ذكر الأيمان والشمائل هنا على حسب الاستعارة لغير اللبس تقدره : ذا يمين وشمال ، وتقدره : بمستقبل أي جهة شئت ، ثم تنظر ظله فتراه يميل إما إلى جهة اليمين وإما إلى جهة الشمال ، وذلك في كل أقطار الدنيا ، فهذا يعم ألفاظ الآية . وفيه تجوز واتساع . ومن ذهب إلى أنّ اليمين من غدوة الزوال ، ويكون من الزوال إلى المغيب عن الشمال ، وهو قول قتادة وابن جريج ، فإنما يترتب فيما قدره مستقبل الجنوب انتهى . وأما الثاني فقال الزمخشري : واليمين بمعنى الأيمان ، فجعله وهو مفرد بمعنى الجمع ، فطابق الشمائل من حيث المعنى كما قال : ) وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ( يريد الإدبار . وقال الفراء : كأنه إذا وجد ذهب إلى واحد من ذوات الظلال ، وإذا جمع ذهب إلى كلها لأنّ قوله ما خلق الله من شيء ، لفظ واحد ومعناه الجمع ، فعبر عن أحدهما بلفظ الواحد لقوله : ) وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ( وقوله : ) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ( وقيل : إذا فسرنا اليمين بالمشرق ، كانت النقطة التي هي مشرق الشمس واحدة بعينها ، فكانت اليمين واحدة . وأما الشمائل فهي عبارة عن الانحرافات الواقعة في تلك الظلال بعد وقوعها على الأرض ، وهي كثيرة ، فلذلك عبر عنها

الصفحة 481