كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 5)

" صفحة رقم 8 "
فتجهز إلى مكة وفتحها سنة ثمان ، ثم خرج إلى غزوة تبوك وتخلف من تخلف من المنافقين وأرجفوا الأراجيف ، فجعل المشركون ينقضون عهودهم ، فأمره الله تعالى بإلقاء عهدهم إليهم ، وأذن في الحرب فسيحوا أمر إباحة ، وفي ضمنه تهديد وهو التفات من غيبة إلى خطاب أي : قلْ لهم سيحوا . يقال : ساح سياحة وسوحاً وسيحاناً ، ومنه سيح الماء وهو الجاري المنبسط . وقال طرفة : لو خفت هذا منك ما نلتني
حتى ترى خيلاً أمامي تسيح
قال ابن عباس والزهري : أول الأشهر شوال حتى نزلت الآية ، وانقضاؤها انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين ، فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم النزول ، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان . وقال السدّي وغيره : أولها يوم الأذان ، وآخرها العشر من ربيع الآخر . وقيل : العشر من ذي القعدة إلى عشرين من شهر ربيع الأول ، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت للنسيء الذي كان فيهم ، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة غير معجزي الله لا تفوتونه وإنْ أملهكم وهو مخزيكم أي : مذلكم في الدنيا بالقتل والأسر والنهب ، وفي الآخرة بالعذاب . وحكى أبو عمرو عن أهل نجران : أنهم يقرأون من الله بكسر النون على أصل التقاء الساكنين ، واتباعاً لكسرة النون . ) وَأَذَانٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الاْكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىء مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ( قرأ الضحاك وعكرمة وأبو المتوكل : وإذن بكسر الهمزة وسكون الذال . وقرأ الحسن والأعرج : إن الله بكسر الهمزة فالفتح على تقدير بأنّ ، والكسر على إضمار القول على مذهب البصريين ، أو لأنّ الأذان في معنى القول فكسرت على مذهب الكوفيين . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر ، وزيد بن علي : ورسوله بالنصب ، عطفاً على لفظ اسم أنْ . وأجاز الزمخشري أنْ ينتصب على أنه مفعول معه . وقرىء بالجر شاذاً ، ورويت عن الحسن . وخرجت على العطف على الجوار كما أنهم نعتوا وأكدوا على الجوار . وقيل : هي واو القسم . وروي أن أعرابياً سمع منم يقرأ بالجر فقال : إنْ كان الله بريئاً من رسوله فأنا منه بريء ، فلببه القارىء إلى عمر ، فحكى الأعرابي قراءته فعندها أمر عمر بتعليم العربية . وأما قراءة الجمهور بالرفع فعلى الابتداء ، والخبر محذوف أي : ورسوله بريء منهم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه . وجوزوا فيه أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في بريء ، وحسنه كونه فصل بقوله : من المشركين ، بين متحمله ، والمعطوف . ومن أجاز العطف على موضع اسم إنّ المكسورة أجاز ذلك ، مع أنّ المفتوحة . ومنهم من أجاز ذلك مع المكسورة ، ومنع مع المفتوحة .
قال ابن عطية : ومذهب الأستاذ يعني أبا الحسن بن الباذش على مقتضى كلام سيبويه : أنْ لا موضع لما دخلت عليه إنَّ لا موضع لما دخلت عليه هذه انتهى . وهذا كلام فيه تعقب ، لأنّ علة كون إنّ موضع لما دخلت عليه ، ليس ظهور عمل العامل ، بدليل ليس زيد بقائم ، وما في الدار من

الصفحة 8