[15] ثم ابتدأ بقصص فيه غيوب وعبر، وليس بمثال لقريش، فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} أي: علم القضاء، ومنطق الطير والدواب، وتسبيح الجبال.
{وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا} بالنبوة، وتسخير الجن والإنس والشياطين {عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} يعني: من لم يؤت علمًا.
...
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)}.
[16] {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} في النبوة والملك دون سائر أولاده، وكانوا تسعة عشر. قرأ أبو عمرو: (وَوَرِث سُّلَيْمَانُ) بإدغام الثاء في السين (¬1)، و (ورث) بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه، فسمي ميراثًا تجوزًا، وهذا نحو قولهم: "العلماء ورثة الأنبياء"، وحقيقة الميراث في المال، والأنبياءُ لا تورث أموالهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا، فهو صدقة" (¬2) فأعطي سليمان ما أعطي داود عليهما السلام من
¬__________
(¬1) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: 311)، و"معجم القراءات القرآنية" (4/ 339).
(¬2) رواه البخاري (2962)، كتاب: أبواب الخمس، باب: فرض الخمس، ومسلم (1758)، كتاب: الجهاد والسير، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة"، عن عائشة -رضي الله عنها-.