كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)
قال الخطابي (¬1): "قد يُضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مَفْحَصَ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ" (¬2)، وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدًا لشخص آدمي" (¬3).
وقال الشنقيطي: "فالجواب من أوجه: الأول: أنه قد يُضرب المثل بما لا يقع في الوجود، فإطلاق العبد الحبشي لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يُتصور شرعًا أن يلي ذلك.
الوجه الثاني: أن المراد باستعمال العبد الحبشي أن يكون مؤمرًا من جهة الإمام الأعظم على بعض البلاد -وهو أظهرها- فليس هو الإمام الأعظم.
الوجه الثالث: أن يكون أُطلق عليه اسم العبد نظرًا لاتصافه بذلك سابقًا، مع أنه وقت التولية حرٌّ، ونظيره إطلاق اليتم على البالغ باعتبار اتصافه به سابقًا في قول اللَّه -تعالى-: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (¬4).
وهذا كله فيما يكون بطريق الاختيار، أما لو تغلب عبدٌ حقيقة بالقوة فإن طاعته تجب؛ إخمادًا للفتنة، وصونًا للدماء، ما لم يأمر بمعصية" (¬5).
¬__________
(¬1) هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي، ولد سنة تسع عشرة وثلاثمائة، سمع ابن الأعرابي، وإسماعيل الصفار، وابن داسه، وغيرهم، وعنه الحاكم، والإسفراييني، والبلخي، والكرابيسي، وخلق سواهم، له: معالم السنن، وأعلام الحديث، وغريب الحديث، وغيرها، توفي سنة ثمان وثمانون وثلاثمائة. ينظر: تذكرة الحفاظ (3/ 1018)، ووفيات الأعيان (2/ 215)، وسير أعلام النبلاء (17/ 23).
(¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، باب: في ثواب من بنى للَّه مسجدًا (1/ 275) رقم (3156)، والبزار في مسنده (البحر الزخار)، تحقيق: محفوظ الرحمن زين اللَّه، مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم، بيروت المدينة، الطبعة الأولى 1409 هـ (9/ 412) رقم (4017) من حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 7): "رواه البزر والطبراني في الصغير، ورجاله ثقات".
(¬3) معالم السنن، أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي، مطبعة محمد راغب الطباخ، حلب، سوريا، الطبعة الأولى 1351 هـ (4/ 300). ويُنظر أيضًا: عمدة القاري (24/ 224)، وفتح الباري لابن حجر (13/ 122).
(¬4) سورة النساء، الآية: (2).
(¬5) أضواء البيان (1/ 27).