كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)

وفي التنزيل: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} -أي: يمنعني من الماء- {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} (¬1)، أي: لا معصوم إلا المرحوم (¬2). والعصمة: الحفظ، يُقال: عصمه اللَّه من المكروه: وقاه وحفظه، واعتصمتُ باللَّه لجأُتُ إليه (¬3). والعصمة: القلادة، والجَمع الأعْصام، والمِعْصم: موضع السِّوار من السَّاعد (¬4). وأصل العصمة: الحبل، وكل ما أمسك شيئًا فقد عصمه (¬5). والعصمة: السبب؛ قال الطبري: "ولذلك قيل للحبل: عصام، وللسَّبب الذي يتسبَّب به الرجل إلى حاجته: عصام" (¬6).
وخلاصة القول: أن هذه المعاني كلّها للعِصْمة ترجع إلى المعنى الأول الذي هو المنْع، فالحفظ منع للشَّيء من الوقوع في المكْروه أو المحظور، والقلادة تَمنع من سقوط الخرز منها، والحبْل يمنع من السُّقوط والتردِّي، والسَّبب يمنع صاحبه عمَّا يكره.
العصمة اصطلاحًا: هي حفظ اللَّه لعبده من الوقوع في الذُّنوب والمعاصي، وارتكاب المنكرات والمحرَّمات. وقيل: هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، وبعبارة أخرى: قوة من اللَّه -تعالى- في عبده تحمله على فعل الخير وتزجره عن الشر، مع بقاء الاختيار؛ تحقيقًا للابتلاء والامتحان. فالعصمة لا تزيل المحنة والتكليف (¬7).
عصمة الأنبياء: هي ملكة تمنع عن الفجور، وتحصل بالعلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، وتتأكد بتتابع الوحي إليهم بالأوامر الداعية إلى
¬__________
(¬1) سورة هود، الآية: (43).
(¬2) لسان العرب (12/ 403) (عصم)، ومعجم مقاييس اللغة (4/ 331) (عصم).
(¬3) فتح الباري (11/ 501).
(¬4) تاج العروس (33/ 101) (عصم).
(¬5) لسان العرب (12/ 405) (عصم)،
(¬6) تفسير الطبري (4/ 26).
(¬7) دستور العلماء (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون)، للقاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، عرب عباراته الفارسية: حسن هاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ (2/ 233).

الصفحة 127