كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)
قال ابن حزم: "وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر" (¬1).
وقال ابن تيمية: "التحقيق أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دلَّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك. . . فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيانًا قاطعًا للعذر، ولكن لما دلَّهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين، وفهموا ذلك، حصل المقصود" (¬2).
وبصدد النص على غير أبي بكر -رضي اللَّه عنه-: قال ابن الراوندي (¬3): نص على العباس -رضي اللَّه عنه- (¬4). وقالت الشيعة والرافضة: نص على علي -رضي اللَّه عنه- (¬5).
ونوقش ذلك: بأن هذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ لأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على اختيار أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر -رضي اللَّه عنه-، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم
¬__________
(¬1) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 88).
(¬2) منهاج السنة النبوية (1/ 358 وما بعدها).
(¬3) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين ابن الراوندي، الزنديق، كان أولًا من متكلمي المعتزلة، ثم تزندق واشتهر بالإلحاد، وقيل: إنه كان لا يستقر على مذهب، ولا يثبت على شيء، توفي سنة خمسين ومائتين وله أربعون سنة، بعد أن صنف مائة وأربعة عشر ديوانًا، وقد حكى جماعة عنه أنه تاب قبل موته مما كان منه، وأظهر الندم، واعترف بأنه إنما صار إلى ما صار حمية وأنفة من جفاء أصحابه، وتنحيتهم إياه عن مجالسهم، واللَّه أعلم بمآله. يُنظر: البداية والنهاية (10/ 346)، ولسان الميزان (1/ 323).
(¬4) مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري، تحقيق: هيلمون ريتر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة (ص 21)، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 154)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 500).
(¬5) روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 8) أن نصر اللَّه بن الحسن بن علوان سمع بعض الرافضة يذكر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على علي بالخلافة يوم غدير خم، وأن الصحابة لم ينفذوا ذلك بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له: العجب أن أبا بكر الصديق لما نص على عمر بن الخطاب لم يختلف فيه اثنان، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما نص على علي لم يقبل نصه! ! أفكان أمر أبي بكر أنفذ من أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فأفحمه.